شبح الجوع يلاحق ملياري عامل بالقطاع غير الرسمي.. وفجوة سحيقة بين الأغنياء والفقراء
ارتفاع معدل الفقر بين النساء بنسبة 9.1%.. و40% زيادة في المحتاجين للمساعدات الإنسانية
تفاقم عدم المساواة بين الأغنياء والفقراء خلال فترة انتشار جائحة «كوفيد-19»، وازداد معدل الفقر لأول مرة منذ عقود، واستعرض موقع «جسور 2030» في الجزء الأول أزمة التعليم الناجمة عن الجائحة الصحية، وآثارها على ملايين التلاميذ بأنحاء العالم والتفاوت الهائل في القدرة على الوصول إلى الإنترنت.
وفي الجزء الثاني من سلسلة التقارير، التي يرصد فيها الموقع الأول للتنمية المستدامة في المنطقة العربية، التغيير الذي طرأ على العالم بسبب الفيروس، ويلقي نظرة على الطرق التي تسببت بها الجائحة في حدوث انتكاسة في الجهود المبذولة لبناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافاً.
وعلى مدار أكثر من 14 شهراً، منذ بداية تفشي فيروس كورونا، عمّقت الجائحة التفاوتات بين سكان المجتمعات إلى حد كبير، وفقاً لمنظمة العمل الدولية، التي أعلنت أن ما يقرب من ملياري شخص، ممن يعملون في القطاع غير الرسمي، معرضون للخطر بشكل خاص.
وفي مارس من العام الماضي، بعد شهور قليلة من تفشي الجائحة، أشارت الوكالة الأممية المعنية بتعزيز العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان وحقوق العمل، إلى توقعات أفادت بأن الملايين قد يتم دفعهم إلى البطالة، أو العمالة الناقصة، أو الظروف الطاحنة للفقر في أوساط العمال، وهذا ما دفع غاي رايدر، المدير العام لمنظمة العمل الدولية، إلى القول: «لم تعد جائحة كورونا أزمة صحية عالمية فحسب، بل إنها تمثل أيضاً أزمة في سوق العمل، ذات تداعيات اقتصادية كبيرة على الناس».
ونشرت الوكالة توصيات بشأن الطرق اللازمة للتخفيف من الأضرار التي تلحق بسبل كسب المعيشة، وشملت هذه التوصيات الدعوة لحماية الموظفين في مكان العمل، ووضع برامج التحفيز الاقتصادي والتوظيف، ودعم الدخل والوظيفة.
وبحلول أبريل 2020، تكشف حجم المعاناة العالمية بصورة واضحة، حيث أظهر تقرير مدعوم من الأمم المتحدة، أن الفقر والجوع يزدادان سوءاً، وأن البلدان المتأثرة أصلاً بأزمات الغذاء، كانت معرضة بشدة لتأثيرات الجائحة، وأكد التقرير على ضرورة الحفاظ على عمل سلاسل الإمدادات الغذائية الحيوية، حتى يتمكن الناس من الوصول إلى الغذاء، مشدداً على الحاجة الملحة لمواصلة إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين، لكي يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة.
وبدايةً من استخدام وسائل النقل العام كمراكز لتوزيع الطعام، إلى إيجاد أشكال تقليدية للتوصيل إلى المنازل، مروراً بفتح أسواق متنقلة، تحتم على المجتمعات ابتكار طرق لإطعام الفقراء والضعفاء، في خضم القيود المفروضة على الحركة، بسبب كوفيد-19، وتُعد كل هذه أمثلة على الطرق التي حشدت بها المدن في أمريكا اللاتينية جهودها لدعم سكانها.
وتشير التحذيرات الصادرة من منظمة الأغذية والزراعة «الفاو»، إلى ارتفاع المخاطر الصحية التي يتعرض لها العديد من مواطني الحضر أثناء الجائحة، ولاسيما 1.2 مليار شخص ممن يعيشون في الأحياء الفقيرة، وغيرها من المستوطنات العشوائية.
«النساء يتحملن العبء الأكبر من أزمة فيروس كورونا، حيث من المرجح أن يفقدن مصدر دخلهن، ويقل احتمال تغطيتهن بإجراءات الحماية الاجتماعية»، جاء هذا التحذير على لسان الدكتور أخيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، خلال تقرير تم نشره في سبتمبر الماضي، بشأن التأثير الذي تلقيه جائحة كورونا على النساء.
وكشف التقرير، الذي أعدته هيئة الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عن أن جائحة كورونا وتداعياتها من المرجح أن تدفع 47 مليون امرأة أخرى إلى الفقر، وهو ما يعني إهدار الجهود التي تم بذلها على مدار عقود من التقدم في القضاء على الفقر المدقع، كما أشار التقرير إلى زيادة معدل الفقر بين النساء بنسبة تصل إلى 9.1 في المائة.
وقالت بومزيلي ملامبو- نوكا، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، إن الزيادات في فقر النساء المدقع هي «اتهام صارخ لعيوب عميقة» في طرق هيكلة المجتمع والاقتصاد، ومع ذلك، أكد شتاينر على أن الأدوات اللازمة لإحداث تحسن كبير في حياة المرأة، متوفرة حتى خلال الأزمة الحالية، فعلى سبيل المثال، يمكن انتشال أكثر من 100 مليون امرأة وفتاة من دائرة الفقر، إذا قامت الحكومات بتحسين الوصول إلى التعليم وتنظيم الأسرة، وضمان أن تكون الأجور عادلة ومتساوية مع أجور الرجال.
كما طالت تداعيات جائحة كورنا التقدم المحرز في مجال الحد من فقر الأطفال، خلال العام 2020 الماضي، حيث أفاد تقرير صادر عن منظمة اليونيسيف والبنك الدولي، في أكتوبر، بأن حوالي 365 مليون طفل كانوا يعيشون في فقر، حتى قبل انتشار الجائحة، وتوقعت الهيئتان أن ترتفع هذه الأرقام بشكل كبير نتيجة للأزمة، حيث يحرم الفقر المدقع مئات الملايين من الأطفال من فرصة تحقيق إمكاناتهم، من حيث النمو البدني والمعرفي، ويهدد قدرتهم على الحصول على وظائف جيدة في مرحلة البلوغ.
وقال سانجاي ويجيسكيرا، مدير البرامج في منظمة اليونيسف: «هذه الأرقام وحدها يجب أن تشكل صدمة لأي شخص، تحتاج الحكومات بشكل عاجل إلى خطة إنعاش للأطفال لمنع وصول عدد لا يحصى منهم وأسرهم إلى مستويات من الفقر لم يسبق لها مثيل منذ سنوات عديدة».
وبحلول ديسمبر الماضي، توقعت الأمم المتحدة أن يحتاج عدد قياسي من الناس، حوالي 235 مليون شخص، إلى مساعدات إنسانية في عام 2021 الجاري، بزيادة قدرها 40 في المائة تقريباً عن العام السابق، ويعزى ذلك بالكامل إلى انتشار جائحة كورونا.
وفي هذا الإطار، قال مارك لوكوك، منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، ووكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، إن «الصورة التي نرسمها تمثل أسوأ الصور وأكثرها قتامة، من منظور الاحتياجات الإنسانية في الفترة المقبلة، هذا انعكاس لحقيقة أن جائحة كوفيد-19 قد تسببت في خراب هائل في جميع البلدان الأكثر هشاشة وضعفاً على هذا الكوكب».
وحذر لوكوك من الحجم الهائل والمتزايد للتحديات التي تواجه العاملين في المجال الإنساني خلال العام الجاري، وأضاف بقوله: «إذا نجحنا في تجاوز عام 2021 دون حدوث مجاعات كبيرة، فسيكون ذلك إنجازاً كبيراً، فأجراس الإنذار تدق».
وفي حديث أدلى به الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مطلع العام الجاري، أكد مجدداً على تمسكه بالأمل في تجاوز تداعيات الجائحة، معتبراً أن مستويات الفقر وعدم المساواة التي شوهدت هذا العام بعيدة كل البعد من أن تكون حتمية، وأن تحقيق عالم أكثر إنصافاً لا يزال ممكناً، بغض النظر عن الصدمات الحادة مثل جائحة كورونا.
كما أعرب الأمين العام عن أمله في أن تؤدي الجائحة إلى إحداث التحولات اللازمة لتحقيق أنظمة حماية اجتماعية أقوى في جميع أنحاء العالم، وشدد على قوله إن «العالم يحتاج إلى عقد صفقة عالمية جديدة، يتم فيها تقاسم السلطة والموارد والفرص بشكل أفضل على طاولات صنع القرار الدولية، وإلى آليات للحوكمة تعكس بشكل أفضل حقائق عالم اليوم».