قادة 150 دولة يطلقون دعوة عالمية لاتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة 3 «أزمات كوكبية»

فؤاد: التناغم مع الطبيعة ضرورة للحفاظ على الكوكب.. وديماسي: التحديات البيئية كبيرة

 على مدار يومي 22 و23 فبراير الماضي، انطلقت أعمال الدورة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة والبيئة، وهي أعلى هيئة لصنع القرار البيئي في العالم، تحت شعار «تعزيز الإجراءات من أجل الطبيعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة»، بمشاركة عدد كبير من وزراء البيئة والمسؤولين في أكثر من 150 دولة، وممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص والمهتمين والناشطين في قطاعات العمل البيئي والتنمية المستدامة.

وتجتمع جمعية الأمم المتحدة للبيئة مرة كل سنتين، لتحديد أولويات السياسات البيئية العالمية، وتطوير القانون البيئي الدولي، كما تحدد المقررات والقرارات التي اتخذتها الدول الأعضاء في الجمعية خطة عمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة، حيث تضمنت دورة 2021، التي تم بث فعالياتها على الهواء مباشرةً عبر شبكة الإنترنت، موافقة الجمعية على الجوانب الرئيسية لعمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

مرحلة ما بعد الوباء

وبينما شهدت اجتماعات الدورة الخامسة انطلاق الاحتفالات بالذكرى الـ50 لتأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وتضمنت عقد حوارات حول القيادة، حيث تناولت الدول الأعضاء كيفية «بناء عالم مرن وشامل في مرحلة ما بعد الوباء»، فقد حذرت الجمعية من أن «العالم يتعرض لخطر أوبئة جديدة، إذا ما لم نقم بتغيير طريقتنا لحماية الطبيعة».

وقد وفرت جمعية الأمم المتحدة للبيئة القيادة والتحفيز والإجراءات الحكومية الدولية بشأن البيئة، بالإضافة إلى المساهمة في تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وأهداف التنمية المستدامة، حيث جرى التحضير لاجتماع الدورة الخامسة عبر الإنترنت، في اجتماع مفتوح العضوية للجنة الممثلين الدائمين، على مدار يومي 15 و16 فبراير، أي قبل أسبوع من موعد الاجتماع.

اجتماع على خطوتين

وفي ضوء جائحة «كوفيد-19»، واستناداً إلى مشاورات واسعة مع الدول الأعضاء وأصحاب المصلحة، قرر مكتب جمعية الأمم المتحدة للبيئة في 8 أكتوبر 2020، أن الدورة الخامسة يجب أن تتم في نهج من خطوتين، حيث عُقدت الاجتماعات وفق جدول أعمال مبسط، يركز على القرارات العاجلة والإجرائية، بينما تقرر تأجيل الأمور الموضوعية، التي تتطلب مفاوضات متعمقة، إلى جلسة مستأنفة بالحضور للدورة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة في فبراير 2022.

وجاء الموضوع العام للدورة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة هو «تعزيز الإجراءات من أجل الطبيعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة»، ليشكل دعوة عالمية إلى تعزيز العمل لحماية واستعادة الطبيعة، واعتماد الحلول القائمة على الطبيعة، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، بأبعادها التكميلية الثلاثة، الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

البيان السياسي

وأصدر الوزراء والمسؤولون المشاركون في اجتماعات الدورة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة بياناً سياسياً، بعنوان «التطلع إلى استئناف جمعية الأمم المتحدة للبيئة في عام 2022 – رسالة من الدورة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة»، تضمن التأكيد على ولاية برنامج الأمم المتحدة للبيئة، باعتباره السلطة البيئية العالمية الرائدة، بالإضافة إلى دعوة لتبني تعددية أكبر وأكثر شمولاً لمواجهة التحديات البيئية.

وجاء في البيان أن «الجمعية ترغب في تعزيز دعمنا للأمم المتحدة، والتعاون متعدد الأطراف، وتظل مقتنعة بأن العمل الجماعي ضروري لمواجهة التحديات العالمية بنجاح»، وأضاف البيان أن «صحة الإنسان ورفاهه تعتمدان على الطبيعة والحلول التي توفرها أكثر من أي وقت مضى، ونحن ندرك أننا سنواجه مخاطر متكررة للأوبئة المستقبلية، إذا حافظنا على أنماطنا الحالية غير المستدامة في تفاعلاتنا مع الطبيعة».

وضم رئيس الدورة الخامسة ووزير المناخ والبيئة النرويجي، سفينونج روتيفاتن، صوته إلى التأكيد على هذا التحذير، حيث أكد في المؤتمر الصحفي في ختام الاجتماعات، أن «جميع المجتمعين في جمعية البيئة اليوم، قلقون للغاية بشأن الكيفية التي يتسبب فيها الوباء في مواجهة تحديات صحية واجتماعية واقتصادية وبيئية جديدة وخطيرة، ويؤدي إلى تفاقم التحديات القائمة في جميع أنحاء العالم»، وتابع بقوله: «سنعمل معاً لتحديد الإجراءات التي يمكن أن تساعدنا في معالجة تغير المناخ وحماية التنوع البيولوجي وتقليل التلوث».

أزمات كوكبية

وفي كلمته أمام جمعية الأمم المتحدة للبيئة في نيروبي، أكد الرئيس الكيني، أوهورو كينياتا، أنه «من الواضح بشكل متزايد، أن الأزمات البيئية هي جزء من الرحلة المقبلة، حرائق الغابات، والأعاصير، وسجلات درجات الحرارة المرتفعة، وقسوة الشتاء غير المسبوقة، وأوبئة الجراد، والفيضانات والجفاف، أصبحت ظواهر شائعة لدرجة أنها أصبحت تتصدر دائماً عناوين الأخبار»، وأضاف أن «هذه الأحداث المناخية المتزايدة تدق ناقوس الخطر، الذي يدعونا إلى مواجهة ثلاث أزمات كوكبية تهدد مستقبلنا الجماعي: أزمة المناخ، وأزمة التنوع البيولوجي والطبيعة، وأزمة التلوث والنفايات».

أما الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، فقد دعا، في كلمة مسجلة تم بثها خلال الجلسة الافتتاحية، إلى «وضع صحة الكوكب في قلب كل خططنا وسياساتنا»، مؤكداً أن «العالم في حالة أزمة، تتطلب تضافر كافة الجهود لمعالجتها»، مشيراً إلى أن المحيطات أصبحت مملؤة بالبلاستيك وأكثر حمضية، وتتجه الأرض نحو ارتفاع كارثي في درجة الحرارة يزيد على 3 درجات مئوية، كما أن التنوع البيولوجي يتراجع بمعدلات تُنذر بالخطر، وشدد على قوله: «هذا عام حاسم لإعادة صياغة علاقتنا مع الطبيعة».

وفي الفترة التي سبقت انعقاد الجمعية، أطلق برنامج الأمم المتحدة للبيئة تقريراً رئيسياً، بالاشتراك مع الأمين العام للأمم المتحدة، بعنوان «التصالح مع الطبيعة»، والذي يوفر مخططاً شاملاً لحل حالات الطوارئ الكوكبية الثلاثية، تغير المناخ والتنوع البيولوجي والتلوث، كما تم تنظيم عدد من الفعاليات لدعم الدورة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة، بما في ذلك جمعية الشباب العالمية، ومنتدى الأعمال لسياسة العلوم، وإطلاق تحالف عالمي حول الاقتصاد الدائري وكفاءة استخدام الموارد.

استراتيجية وعود 2030

وتضمنت اجتماعات الدورة الخامسة الموافقة على استراتيجية متوسطة الأجل، وبرنامج عمل وميزانية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وبحسب المديرة التنفيذية للبرنامج، إنغر أندرسن، فإن الاستراتيجية الجديدة، التي سيتبعها برنامج الأمم المتحدة للبيئة في الفترة من 2022 إلى 2025، تحدد رؤية لدور برنامج الأمم المتحدة للبيئة في الوفاء بوعود خطة عام 2030.

وأضافت مديرة البرنامج أن «الاستراتيجية تتعلق بتحويل كيفية عمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وإشراكه مع الدول الأعضاء ووكالات الأمم المتحدة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ومجموعات الشباب، حتى نتمكن من المضي قدماً»، وتهدف إلى توفير العلم والخبرة الفنية للحكومات، كما «تتعلق الاستراتيجية بالعمل الجماعي، الذي يقوم به المجتمع بأسره، لنقلنا خارج وزارات البيئة، لحفز العمل».

وفي كلمتها أمام الدورة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة، أكدت وزيرة البيئة المصرية، الدكتورة ياسمين فؤاد، على ضرورة تعزيز العمل من أجل حماية الطبيعة والمحافظة عليها، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث «تبين اننا من نحتاج الي الطبيعة، وليست الطبيعة هي من تحتاج إلينا، وقد أثرت أنماط معيشتنا على الطبيعة وعلى صحتنا»، ويتمثل ذلك في فقدان التنوع البيولوجي، وتغير المناخ، وتصحر الأراضي، وأوضحت أن هذه التحديات «لا يمكن أن ننظر لكل منهم بمعزل عن الآخر».

مبادرة ربط اتفاقيات ريو

كما اكدت وزيرة البيئة على أهمية ربط التحديات التي تواجهنا بكل من التنوع البيولوجي وتغير المناخ والتصحر سوياً، مشيرةً إلى المبادرة التي قدمتها مصر للتكامل بين اتفاقيات ريو الثلاثة الخاصة بتغير المناخ، والتنوع البيولوجي، والتصحر، خلال مؤتمر الأطراف الـ14 لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، والتي تم اعتمادها من قبل المؤتمر، كما شددت على أهمية المبادرة، في ظل عدم كفاية الموارد المالية لمواجهة كافة تلك التحديات معاً، وضرورة التعامل معها بشكل متكامل.

وتابعت بقولها: «لا يمكن العمل والتوافق لحماية التنوع البيولوجي والموارد الطبيعية، بمعزل عن مجابهة تغير المناخ والتصحر، فهناك ارتباط وثيق بينهم»، وشددت على «ضرورة العمل على إيجاد نماذج ومداخل تدعم توجهاتنا نحو الحفاظ على الطبيعة، وتغير أنظمتنا الاقتصادية والمالية والغذائية، وإعادة النظر حول علاقتنا مع الطبيعة، لخلق تناغم معها من أجل استدامة الموارد الطبيعية على الكوكب».

وفي إطار الاجتماعات التحضيرية للدورة الخامسة، شاركت وزيرة البيئة في الجلسة الختامية لمنتدى الأمم المتحدة للعلوم والسياسات والأعمال حول البيئة، تحت عنوان «العمل البيئي المتعدد الأطراف: العلم والسياسات والابتكار والعمل»، حيث تضمن الاجتماع مناقشة أهم الشواغل البيئية العالمية، وأهم التحديات التي تواجه العمل البيئي متعدد الأطراف، وضرورة تجديد الالتزام بالبعد البيئي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة من قبل أصحاب المصلحة وشركاء العمل البيئي.

التناغم مع الطبيعة

وفي كلمتها أمام الحدث الجانبي حول التناغم مع الطبيعة، على هامش اجتماعات الدورة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة، أكدت الوزيرة المصرية على أهمية مضاعفة الجهود لمواصلة العمل من أجل رفع الوعى العام بالمخاطر التى تواجه الطبيعة، لمواجهة تأثيراتها السلبية على الكوكب والاقتصاد وحياة الكائنات الحية على سطح الأرض.

ودعت «فؤاد» كافة الأفراد والجهات من الشباب والمرأة ورجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميين والقطاعات المالية والمجتمعات المحلية، للمشاركة فى الحفاظ على الطبيعة، وتنوعها البيولوجي، وتسجيل التزاماتهم وأنشطتهم الداعمة للطبيعة على المنصة الإلكترونية التي أطلقتها مصر والصين، بالتنسيق مع الأمانة العامة لاتفاقية التنوع البيولوجي عام 2018، تحت عنوان «من شرم الشيخ إلى كون مينج من أجل الطبيعة والناس»، والتى بلغ عدد المشاركين بها أكثر من 171 جهة حتى الآن.

وأكدت وزيرة البيئة على أهمية تلك المنصة الإلكترونية، كمبادرة هامة لتحفيز الإجراءات، وعرض الالتزامات والمساهمات الملموسة لصون التنوع البيولوجي، واستخدامه المستدام، من أصحاب المصلحة في جميع القطاعات التنموية، بهدف دعم البلدان لتنفيذ أهداف اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، وإطار عمل ما بعد 2020، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

خارطة طريق عربية

وفي إطار التحضير للدورة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة، عقد المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بغرب آسيا اجتماعاً رفيع المستوى لكبار المسؤولين من السلطات البيئية والممثلين الدائمين لدى البرنامج وجامعة الدول العربية والأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والمجموعات الرئيسية والأطراف المعنية، لتحديد أولويات العمل البيئي خلال المرحلة المقبلة.

تم خلال الاجتماع إطلاع الممثلين على الاستراتيجية متوسطة المدى (2022 – 2025) لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وخارطة الطريق لجمعية الأمم المتحدة للبيئة، حيث ناقشت الدول التحديات البيئية في المنطقة، والإجراءات الإقليمية ذات الأولوية لمواجهتها، على أن يجري توجيه نتائج اجتماع المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، لتتواءم مع برنامج عمله لدعم الأولويات الإقليمية، وأولويات دول المنطقة.

وفي كلمته أمام الاجتماع، أكد سامي ديماسي، المدير الإقليمي وممثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، أنه «تم تطوير هذه الاستراتيجية متوسطة المدى، بناءً على أحدث العلوم، التي تؤكد أن تلاقي أزمات المناخ والطبيعة والتلوث ستؤثر على قدرة العالم في القضاء على الفقر، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، واتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، مما يجعل الأجندة البيئية أكثر أهمية من أي وقت مضى».

وتابع بقوله إن «هذه هي المرة الثانية التي يجتمع فيها كبار المسؤولين من دول غرب آسيا والشركاء لمناقشة التحديات البيئية، ومعظمها تحديات مشتركة بين الدول، والإجراءات اللازمة لمواجهة هذه التحديات»، معتبراً أن «النجاح الذي تحقق في الاجتماع الوزاري الأول للبيئة لغرب آسيا، والذي عقد في أغسطس من العام الماضي، بشأن آثار جائحة كوفيد19 على البيئة، يشجعنا على مواصلة عقد اجتماعات مماثلة»، وأضاف أن «مثل هذا التقدم في التعاون الإقليمي بين الحكومات، هو موضع ترحيب، وأنا على ثقة من أننا سنرى المزيد من هذه الاجتماعات والتفاعلات في المستقبل».

وجدد برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا الالتزام بتفانيه في خدمة الدول الأعضاء، من خلال الاستراتيجية متوسطة المدى، وإحداث تغيير تحولي نحو التنمية المستدامة، وتعزيز المرونة المناخية، والعيش في وئام مع الطبيعة والتطلع إلى كوكب خالٍ من التلوث، والمساهمة في بيئة أكثر اخضراراً، للتعافي من «كوفيد-19».