انعدام الأمن الغذائي بمناطق الساحل والقرن الأفريقي وأزمة حادة باليمن وجنوب السودان

ناقوس خطر جديد طرقته الأمم المتحدة مؤخراً، ففي نهاية عام 2020، كان أكثر من 88 مليون شخص يعانون من الجوع الحاد، في مختلف أرجاء العالم، بسبب الصراعات المسلحة وعدم الاستقرار السياسي، بنسبة زيادة قدرها 20% في عام واحد، وسط توقعات تشير إلى أن عام 2021 ربما يشهد استمرار السقوط في هذا الاتجاه المخيف، وبشكل أكثر حدة.

وفي اجتماع افتراضي لمجلس الأمن يتعلق بصون السلام والأمن الدوليين، منتصف شهر مارس الجاري، ناقش أعضاء المجلس العلاقة بين الصراعات والأمن الغذائي، إذ تتوقع اللمحة العامة عن العمل الإنساني العالمي 2021 بلوغ مستوى تاريخي من انعدام الأمن الغذائي، حيث تلوح المجاعة في الأفق في العديد من البلدان، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الصراعات.

وفي كلمته أمام مجلس الأمن، الذي تترأسه الولايات المتحدة الأمريكية لهذا الشهر، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أنه بدون اتخاذ إجراءات فورية، سيصل ملايين الأشخاص إلى حافة الجوع المدقع والوفاة، وقال: «اليوم لدي رسالة واحدة بسيطة: إذا لم تطعم الناس، فإنك تغذي الصراع، الصراع يؤدي إلى الجوع والمجاعة، والجوع والمجاعة يقودان الصراع».

الفقر والجوع وعدم المساواة

واستشهد الأمين العام بحادثة استهداف بعثة ميدانية لبرنامج الأغذية العالمي الشهر الماضي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، مما أدى إلى مقتل السفير الإيطالي وأحد موظفي برنامج الأغذية العالمي، إضافة إلى المرافق الأمني للسفير، وأكد أن «هذا مثال صارخ على أن الصراع والجوع يشكلان تحالفاً مظلماً، ويعززان بعضهما البعض، ولا يمكن حلهما في معزل عن بعضهما البعض».

وأوضح غوتيريش أن الجوع والفقر يجتمعان مع عدم المساواة، والصدمات المناخية، والتوترات الطائفية والعرقية، والمظالم بشأن الأرض والموارد، لإثارة الصراع ودفعه، مؤكداً أن كل ذلك يتفاقم مع استمرار جائحة «كوفيد-19»، وفي الوقت نفسه، يجبر الصراع الناس على ترك منازلهم وأراضيهم ووظائفهم، فضلاً عن تعطيل الزراعة والتجارة والصناعة، والعديد من الأنشطة الاقتصادية، ويحد من الوصول إلى الموارد الحيوية، مثل المياه والكهرباء، مما يؤدي إلى تفاقم الجوع.

المجاعة على بُعد خطوة

وأبلغ الأمين العام للأمم المتحدة اجتماع مجلس الأمن بأن التوقعات تشير إلى أن أزمات الجوع تتصاعد وتنتشر عبر منطقة الساحل والقرن الأفريقي، وتتسارع في جنوب السودان واليمن وأفغانستان، واعتبر أن هناك أكثر من 30 مليون شخص في ما يزيد على 30 دولة، أصبحوا على بُعد خطوة واحدة فقط من إعلان المجاعة، وأكد أنه في بعض البلدان، فإن المجاعة موجودة بالفعل، ويموت الناس من الجوع، ويعانون من معدلات حرجة من سوء التغذية.

وقال إن أجزاء من اليمن وجنوب السودان وبوركينا فاسو واقعة في براثن المجاعة، أو ظروف شبيهة بالمجاعة، وأكثر من 150 ألف شخص معرضون لخطر الجوع، وشدد على قوله: «هذا هو الواقع المدمر لمناطق الصراع حول العالم، وتقع على عاتقنا مسؤولية القيام بكل ما في وسعنا لعكس هذه الاتجاهات، بدءاً من درء المجاعة».

انعدام الأمن الغذائي

وأظهرت مناقشات مجلس الأمن أن الصراع المسلح الدائر في اليمن، منذ ما يقرب من 5 سنوات، أدى إلى نزوح أكثر من 4 ملايين شخص في عموم البلاد، ومن المتوقع أن يواجه حوالي نصف الأطفال دون 5 سنوات، أي حوالي 2 مليون و300 ألف طفل، سوء التغذية الحاد في العام 2021 الجاري، بينما يواجه حوالي 16 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي.

وبالنسبة للوضع في جنوب السودان، فيواجه أعلى مستويات انعدام الأمن الغذائي منذ إعلان الدولة استقلالها قبل 10 سنوات، حيث يعاني حوالي 60% من السكان من الجوع بشكل متزايد،  وبحسب الأمين العام للأمم المتحدة، فقد «ارتفعت أسعار المواد الغذائية لدرجة أن طبقاً واحداً من الأرز والفول يكلّف أكثر من 180% من متوسط الراتب اليومي، أي ما يعادل 400 دولار في نيويورك».

وكذلك شهدت جمهورية الكونغو الديمقراطية، خلال العام الماضي، ما يمكن وصفها بأكبر أزمة غذائية في العالم، حيث واجه ما يقرب من 21 مليون و800 ألف شخص الجوع الحاد، بين شهري يوليو وديسمبر 2021، بسبب تجدد الصراعات المسلحة في الدولة الأفريقية، التي عانت منها لعقود، بالإضافة إلى تزايد انتشار فيروس «كوفيد-19»، وغيره من فاشيات الأمراض الفتاكة الأخرى.

فريق عمل لدرء المجاعة

وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة عن تشكيل فريق عمل رفيع المستوى لدرء المجاعة، بقيادة منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة، مارك لوكوك، بحيث يضم فريق العمل ممثلين عن برنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو»، ويعمل هذا الفريق على تعبئة الجهود والاهتمام المنسق رفيع المستوى لمنع المجاعة، وحشد البلدان لدعم الدول الأكثر تضرراً.

وبينما تم الإعلان عن أن المجموعة ستتعاون مع المنظمات غير الحكومية، وستعمل مع المؤسسات المالية الدولية، ومع وكالات الأمم المتحدة المتخصصة الأخرى، بما في ذلك الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، فقد دعا غوتيريش إلى مزيد من التعاون مع فريق العمل، قائلاً: «أحثّ جميع أعضاء هذا المجلس على دعم فريق العمل بكل طريقة ممكنة، وبذل كل ما في وسعهم لاتخاذ إجراءات عاجلة لمنع المجاعة».

كما دعا الأمين العام إلى التفكير في مصير أكثر من 34 مليون شخص يواجهون بالفعل مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وشدد على «ضرورة ألا تصبح النتيجة المخيبة للآمال لحدث التعهدات رفيع المستوى الأسبوع الماضي بشأن اليمن نمطاً»، مطالباً جميع البلدان بإعادة النظر في مسؤولياتها وقدراتها، وقال إن «المبالغ الصغيرة نسبيا المستخدمة في المساعدات الإنسانية، ليست استثماراً في الأشخاص فحسب، بل هي استثمار في السلام».

التجويع وانعدام المساواة

وقدّمت غابرييلا بوشر، المديرة التنفيذية لمنظمة «أوكسفام إنترناشونال»، إحاطة افتراضية أمام مجلس الأمن، أكدت فيها أن الكثير من الدول التي كانت معرضة لخطر المجاعة في عام 2017، لا تزال تواجه نفس المخاطر، والآن انضم المزيد من البلدان إليها، وقالت إن «النساء والفتيات يتأثرن بشكل غير متناسب، حيث كثيراً ما يكن آخر من يتناول الطعام، أو يتناولنه بكميات أقل»، وأضافت أن «الناس في هذه الأماكن ليسوا جوعى، بل يتم تجويعهم».

واعتبرت بوشر أن «التجويع» هو من أعراض مشكلة أعمق، وأزمة الجوع المتنامية تحدث في عالم فيه أرباح شركات الأغذية والمشروبات في ثماني دول، هي أكثر بثلاث مرات مما تطلبه المنظمات الإغاثية من مساعدات اليوم لدرء الكارثة، واختتمت إحاطتها بقولها: «لا ينعدم الغذاء، بل تنعدم المساواة».

التوقعات صادمة

وفي إحاطته الافتراضية، قال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيزلي، إن النزاعات المسلحة، بالإضافة إلى الظروف المناخية، وجائحة «كوفيد-19»، تهدد بدفع عدد من الأشخاص في العالم إلى حافة الجوع، من 135 مليون شخص قبل الجائحة، إلى 270 مليون شخص الآن.

وقال مدير برنامج الأغذية: «أنا فخور وحزين في نفس الوقت، العام الماضي وصل برنامج الأغذية العالمي إلى 114 مليون شخص بمعونات منقذة للحياة، وهو أعلى رقم إجمالي سنوي في تاريخنا»، لكنه أشار إلى أن توقعات انعدام الأمن الغذائي لعام 2021 صادمة، حيث من المتوقع أن تصبح جمهورية الكونغو الديمقراطية هذا العام أكبر حالة طوارئ للجوع في العالم، بواقع 19 مليون و600 ألف شخص.

ولفت «بيزلي» إلى أن عدد الجوعى في أفغانستان يبلغ الآن حوالي 17 مليون شخص، وهو ارتفاع من 13.9 مليون شخص، أما في نيجيريا، فالعدد الآن ارتفع إلى 13 مليون شخص، مقابل 5 ملايين في السابق، أما في سوريا، فقد أصبح أكثر من 12 مليون شخص يواجهون مستويات من أزمة انعدام الأمن الغذائي، مقابل 9 ملايين و300 ألف شخص في السابق.

اليمن أسوأ مجاعة في التاريخ

وأضاف مدير برنامج الأغذية العالمي أنه «قبل يومين فقط، كنت في اليمن، حيث يواجه الآن أكثر من 16 مليون شخص أزمة مستويات الجوع أو أسوأ، هؤلاء ليسوا أرقاماً فقط، هؤلاء أشخاص حقيقيون، نحن نتجه مباشرةً نحو أكبر مجاعة في التاريخ الحديث»، واصفاً الأمر بأنه «جحيم على الأرض في العديد من الأماكن في اليمن الآن»، وحذر من وفاة حوالي 400 ألف طفل في اليمن هذه السنة، إذا لم يتم التدخل بشكل عاجل.

وأوضح بقوله: «هذا يعني أن طفلاً واحداً يموت كل 75 ثانية، أي أننا مع جلوسنا هنا كل دقيقة وربع هناك طفل يموت»، وتساءل قائلاً: «هل سندير ظهورنا حقاً ونشيح أنظارنا عنه؟»، داعياً إلى توفير المساعدات لتقديم الطعام للملايين، مشيراً إلى أن تكاليف العنف هائلة، حيث بلغت في عام 2019 فقط، حوالي 14.5 تريليون دولار، أي ما يعادل 15% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، واختتم كلمته بقوله: «على مجلس الأمن التزام أخلاقي ببذل كل ما في وسعه لإنهاء هذه الحروب».