«آندرسن»: لا يمكن تحديد الحل الأمثل للتعامل مع الناقلة المتهالكة دون تقييم الخبراء

تأثيرات بيئية وصحية واجتماعية واقتصادية تتربص باليمن وغيره من الدول المطلة على البحر الأحمر، بل وقد تمتد إلى حركة الملاحة العالمية، إذا ما تحدث تسرب للنفط من الناقلة «صافر»، أو حدث انفجار في الخزان النفطي العملاق، مما سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع في اليمن، الذي يعاني بالفعل من أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

وفي أواخر الأسبوع الماضي، عقد مجلس الأمن جلستين لمناقشة آخر الأوضاع بالنسبة لناقلة النفط التي ترابط في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، قبالة السواحل اليمنية، إحدى هاتين الجلستين كانت مفتوحة، بينما كانت الثانية مغلقة، لبحث المخاطر المترتبة على التأخير في الوصول إلى ناقلة النفط «صافر»، وأسباب ذلك وتداعياته على اليمن والدول المجاورة.

سيناريوهان محتملان

وقدّمت أنغر آندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إحاطة عبر الفيديو، وقالت إن «مخاطر تسرب كبير من ناقلة صافر تتنامى كل يوم مع مرور الأيام»، ووضعت «آندرسن» سيناريوهين محتملين بشأن ما يمكن أن يحدث في «صافر»، وهما إما تسرب محتمل للنفط، أو حدوث انفجار في الناقلة، وحذرت من أن ذلك «سيؤثر بشكل مباشر على ملايين الأشخاص في دولة تعاني بالفعل من أكبر حالة إنسانية طارئة، وإذا حدث تسرب، قد تتضرر نظم بيئية بأكملها، وقد يستغرق الأمر عقوداً لتنظيف النفط المتسرب».

وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، في إحاطتها لمجلس الأمن مساء الخميس 3 يونيو 2021، إنه «بسبب العوائق اللوجستية والسياسية، فإن الوضع غير معروف على متن الناقلة، ولذلك فمن غير المعروف ما هو الحل الأمثل، للتعامل مع 1.1 مليون برميل من النفط، في ناقلة متقادمة، تقع في منطقة حساسة بيئياً في البحر الأحمر».

تأثيرات رهيبة على البيئة والبشر

وأشارت المسؤولة الأممية إلى أن التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والصحية ستكون رهيبة، وسيتأثر ما يصل إلى 670 ألف شخص من مصادر الرزق بسبب التسرب، إضافة إلى الأضرار التي ستلحق بمصائد الأسماك والموارد البحرية والساحلية، والاقتصاد والموارد الغذائية، وأوضحت أن الإغلاق القسري لمينائي الحديدة والصليف، قد يحد من موارد النفط والغذاء لأسبوعين أو ثلاثة، وسُتقدّر التكاليف الاقتصادية بنحو 350 مليون دولار على مدار السنوات الخمسة المقبلة.

ويُعدّ البحر الأحمر من أهم مستودعات التنوع البيولوجي على كوكب الأرض، حيث يحتوي على العديد من أنواع الثدييات والسلاحف البحرية والطيور البحرية وغيرها من الأنواع، كما تنتشر في اليمن أشجار المانجروف على الساحل، وامتدادات كبيرة من الأعشاب البحرية والشعاب المرجانية.

وحذرت «آندرسن» من إنه إذا حدث اشتعال للنيران، أو انفجار، فإن نحو 4.8 مليون شخص في اليمن و350 ألف شخص في المملكة العربية السعودية، قد يتعرّضون لمستويات ضارّة من التلوث في غضون ما بين 24 و36 ساعة، كما أن نحو مليون شخص من النازحين داخلياً، يعيشون في مناطق في اليمن، قد يغطيها الدخان»، بالإضافة إلى ذلك، فإن الفئات الضعيفة، وخاصةً تلك التي تعاني من أمراض القلب والرئة، قد تتعرض لآثار صحية بالغة.

تأثّر الدول المجاورة

وقالت مديرة برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه على الرغم من أن الساحل الغربي لليمن سيكون الأكثر تضرراً، سيؤثر تسرب النفط بشكل سلبي على الدول المجاورة الواقعة على البحر الأحمر، وعلى حركة السفن في واحدة من أكثر المسارات التجارية ازدحاماً في العالم.

وأضافت «آندرسن» أن الأمم المتحدة تقف على أهبة الاستعداد والتخطيط للطوارئ إذا حدث تسرب، مشيرةً إلى أنه تم التعاون مع المنظمة الإقليمية للمحافظة على البحر الأحمر وخليج عدن، والمنظمة الدولية البحرية، لوضع خطة طوارئ إقليمية، ولكنها حذرت من أنه حتى لو تم الشروع بأنشطة الاستجابة فوراً، بعد تسرب للنفط، سيستغرق تعافي النظم البيئية والاقتصادات سنوات.

لم يحدث أي تقدم خلال عامين

وفي إحاطة مارك لوكوك، وكيل الأمين العام ومنسق الإغاثة الطارئة، التي قدمتها لمجلس الأمن نيابة عنه المسؤولة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، رينا غيلاني، أكد أنه خلال العامين الماضيين، قدّم فيهما مارك لوكوك 23 إحاطة عن ناقلة النفط «صافر»، لم يحدث أي تقدم، وأوضحت «غيلاني» سبب عدم حدوث تقدم بقولها: «هذا في الغالب لأن سلطات أنصار الله، بينما توافق دائماً على المهمة من حيث المبدأ، تتوانى في تقديم الضمانات الملموسة اللازمة للمضي قدماً».

وقبل نحو شهرين، كتبت الأمم المتحدة إلى جماعة «أنصار الله» الحوثية، المدعومة من إيران، رسالة لتوضيح ما هو المطلوب من أجل نشر فريق الخبراء، كما أرسلت الجهات المانحة للمشروع رسالة مماثلة، وعلى مدار الأيام العشرة الماضية، كانت هناك مناقشات مكثفة في محاولة لسد الفجوات، ولكن حتى الآن لم تنجح هذه الجهود.

وتابعت «غيلاني» قائلةً: «يبدو أن نقطة الخلاف الرئيسية هي حول ما ستفعله المهمة الأممية بالضبط، ولماذا، بشكل أكثر تحديداً، لا توافق الأمم المتحدة على بنود الإصلاحات»، وشددت المسؤولة الأممية على أن «صافر مكان خطير»، ولم يخضع لأي صيانة منذ أكثر من ست سنوات، وأكدت أن التقييمات الأولية تشير إلى أن «الهيكل المادي يتهاوى، والأنظمة الأساسية لا تعمل، وهناك احتمال كبير لتراكم الغازات القابلة للاشتعال في بعض الأماكن».

أهمية إجراء تقييم للناقلة

ونظراً لأنه لم يُسمح أبداً للأمم المتحدة بزيارة الناقلة، لا يعرف فريق الخبراء بالضبط ما هي الظروف على متنها، وهذا يعني أنه من المستحيل تحديد الأنشطة التي يمكن إجراؤها بأمان مسبقاً وبشكل دقيق، وشددت المسؤولة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية على أن الغرض الرئيسي لمهمة الأمم المتحدة كان دائماً إجراء تقييم لحالة السفينة، وأثناء المهمة، سيقوم الخبراء أيضاً بإجراء بعض الصيانة الخفيفة، لتقليل المخاطر الفورية لأي تسرب، وأضافت: «يحتاج الخبراء إلى التحقق فيما نتعامل معه، وتقييم ما يمكن القيام به بأمان، وسيوفر التقييم دليلاً محايداً على خيارات حل المشكلة بشكل نهائي».

وسبق لجماعة «الحوثي» أنت وافقت على نطاق العمل في نوفمبر 2020، «ولكن يبدو الآن أنهم غير سعداء بذلك»، بحسب المسؤولة الأممية، ولا يزال فريق الخبراء على استعداد للانتشار، كما كان على مدى العامين الماضيين، وستبقي الأمم المتحدة على الفريق في حالة تأهب، طالما لديها تمويل من المانحين للقيام بذلك، إلا أن «غيلاني» أوضحت أنه «مع ذلك، سيبدأ بعض هذا التمويل في النفاد قريباً، لذلك نأمل في أن تبدأ الأمور في التحرك بشكل أسرع بكثير»، وفي حالة إذا ما تم تقديم جميع الضمانات، فستستغرق الأمم المتحدة عدة أسابيع لاستئجار سفن البعثة، وشحن جميع المعدات المتخصصة، ونشر الخبراء، والإبحار إلى «صافر»، انطلاقاً من جيبوتي.

اليمن يطالب بـ«إجراءات رادعة»

ومن جانبه، حمّل مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، «ميليشيات الحوثي» المسؤولية، بسبب رفضها لكل دعوات المجتمع الدولي، ومجلس الأمن، وكل المبادرات والجهود لحل الإشكالية، و«إفشال تلك الجهود، بما في ذلك جهود الأمم المتحدة»، على حد تعبيره، مؤكداً أن «العالم اليوم أمام حدوث كارثة بيئية خطيرة جداً، تُضاف إلى الكارثة الإنسانية في اليمن»، ودعا مجلس الأمن إلى اتخاذ «إجراءات حاسمة ورادعة» لتجنب حدوث الكارثة البيئية.

وتابع المندوب اليمني قائلاً: «نتطلع إلى أن يقوم هذا المجلس بتحمل مسؤولياته، واتخاذ الإجراءات الصارمة والرادعة للضغط بشكل جاد على ميليشيات الحوثي، للتوقف عن التلاعب بهذا الملف، والكف عن استخدامه كورقة مساومة وابتزاز سياسي، والكف عن هذا السلوك غير الأخلاقي قبل وقوع الكارثة»، مشيراً إلى أنه «لم يعد بالإمكان السكوت أكثر من ذلك، لأن الوقت يداهمنا».

«رائد» تحذر من «عواقب وخيمة»

وسبق للشبكة العربية للبيئة والتنمية «رائد»، أن أصدرت بياناً، حذرت فيه من العواقب الوخيمة التي قد تنتج عن حدوث أي تسرب أو حريق في الخزان النفطي «صافر»، ودعت المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته لمنع كارثة محتملة، كما سبق لموقع «جسور 2030» أن نشر عدداً من التقارير حول المخاطر المحتملة لهذا الخزان النفطي، من ضمنها تحذيرات صدرت عن جامعة الدول العربية، ومن الهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن.

وبدأت الأمم المتحدة، قبل أكثر من سنتين، مساعيها لإرسال فريق من الخبراء، لتقييم وضع الخزان، وإجراء الإصلاحات الأولية اللازمة، وفي أغسطس من عام 2019، أرسلت المنظمة فريقاً من الخبراء إلى جيبوتي، التي كانت موقع التجهيز للبعثة، بحسب «اتفاق على المبدأ» مع جميع الأطراف، إلا أنه تم إلغاء البعثة، بعد قيام جماعة «الحوثي» بسحب موافقتها في الليلة السابقة لمغادرة البعثة.

ورغم ذلك، فقد استمرت المفاوضات مع «سلطات الأمر الواقع» في صنعاء، لإرسال بعثة أخرى، وتسارعت المحادثات بعد صدور تقارير تفيد بحدوث تسرب مياه البحر إلى غرفة محركات الناقلة «صافر» في مايو 2020، والذي أمكن احتواؤه بشكل مؤقت، إلا أنه لا يمكن معرفة الفترة التي سيصمد خلالها هذا الإصلاح المؤقت، ومنذ ذلك الوقت، انخرطت الأمم المتحدة في نقاشات مع الحوثيين، للاتفاق على وثيقة مفصلة تحدد نطاق العمل المسند إلى البعثة المقترحة، وتحدد الوثيقة ثلاثة أهداف واضحة.

الهدف الأول للوثيقة المقترحة، يتضمن تقييم وضع خزان صافر العائم، من خلال تحليل منظوماته وهيكله، بينما يرتكز الهدف الثاني على إجراء ما هو ممكن من الإصلاحات الأولية، التي قد تخفض من خطر حدوث التسرب، حتى يتم تطبيق حل دائم، فيما يتناول الهدف الثالث صياغة خيارات قائمة على الأدلة، بشأن الحلول التي يمكن تطبيقها، لإنهاء خطر التسرب النفطي نهائياً.