على مدار يومين فقط منتصف شهر يوليو 2021، شهدت ألمانيا هطول كمية كبيرة من مياه الأمطار، عادةً ما كانت تستقبلها الدولة الأوروبية على مدار شهرين، كما تضررت مناطق في بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ وسويسرا والنمسا من الفيضانات الشديدة، في الوقت الذي تعرضت فيه الصين لأمطار غزيرة وفيضانات.

جاءت كل هذه الظواهر، الممتدة من الشرق إلى الغرب، لتسلط الضوء على الخسائر البشرية والاقتصادية، والأثر المأساوي للسيول والأمطار والفيضانات على بعض المناطق في أوروبا والصين، خلال الأسبوعين الثاني والثالث من شهر يوليو الجاري.

ودفعت الظواهر المناخية المتطرفة الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بيتيري تالاس، إلى القول إن الأخطار المرتبطة بالطقس والمناخ والمياه تتزايد من حيث تواترها وشدتها، نتيجة لتغير المناخ.

وأضاف «تالاس»، في بيان صدر عن المنظمة، أن موجات الحر الأخيرة، التي حطمت الرقم القياسي في أمريكا الشمالية، مرتبطة بالاحترار العالمي، إلا أنه استطرد بقوله: «لكن نوبات هطول الأمطار الغزيرة تحمل أيضاً بصمة تغير المناخ، عندما يزداد الغلاف الجوي دفئاً، يحتفظ بالمزيد من الرطوبة، مما يعني أمطاراً أكثر أثناء العواصف، مع زيادة مخاطر السيول».

مخاطر المناخ تتصدر قائمة الكوارث

وبحسب تحليل جديد صدر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، خلال شهر يوليو الجاري، فإن المخاطر المتعلقة بتغير المناخ جاءت في صدارة قائمة الكوارث، من حيث الخسائر البشرية والاقتصادية، على مدى الـ50 سنةً الماضية.

ويظهر التحليل أن من بين أكثر 10 كوارث، كانت المخاطر التي أدت إلى أكبر خسائر بشرية خلال هذه الفترة، هي الجفاف والعواصف ودرجات الحرارة المتطرفة، وفقا لأطلس المنظمة للوفيات والخسائر الاقتصادية الناجمة عن الظواهر الجوية والمناخية والمائية، بين عامي 1970 و2019.

وتظهر مقتطفات من الأطلس أن الفيضانات والعواصف تسببت في أكبر خسائر اقتصادية في السنوات الـ50 الماضية في أوروبا، حيث تشير البيانات إلى أنه خلال هذه الفترة، شكلت مخاطر الطقس والمناخ والمياه 50% من جميع الكوارث، و45% من جميع الوفيات المبلغ عنها، و74% من جميع الخسائر الاقتصادية المبلغ عنها، على الصعيد العالمي.

وشدد أمين عام المنظمة على قوله: «لا يوجد بلد محصن، سواء من الدول المتقدمة أو النامية، فتغير المناخ موجود هنا والآن»، مؤكداً على ضرورة الاستثمار أكثر في التكيف مع تغير المناخ، واعتبر أن إحدى طرق القيام بذلك هي تعزيز أنظمة الإنذار المبكر.

فيضانات مدمرة تثير قلقاً عالمياً

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد أعرب عن قلقه إزاء الفيضانات المدمرة التي تحدث في مناطق مختلفة في العالم، وأشار نائب المتحدث باسم الأمين العام، فرحان حق، إلى أن غوتيريش على اتصال بالقادة فيما يتعلق بهذا الأمر.

ووفقا لخدمة الأرصاد الجوية الوطنية الألمانية، فقد هطل حوالي 100 إلى 150 مليمتراً من الأمطار خلال 24 ساعة فقط، بين 14 و15 يوليو، وهذه الكمية من الأمطار تعادل متوسط هطول الأمطار في ألمانيا على مدار شهرين.

أما في الصين، فتلقت بعض أجزاء مقاطعة «خنان»، في وسط الدولة الآسيوية، مزيداً من الأمطار المتراكمة بين 17 و21 يوليو، جاءت أعلى من المعدل السنوي، وتلقت عاصمة المقاطعة ما يعادل نصف هطول الأمطار السنوي، في مدة زمنية لا تتجاوز 6 ساعات فقط.

وتجد دراسات متزايدة تأثيراً بشرياً على ظواهر هطول الأمطار الشديدة، أحد الأمثلة على ذلك هو هطول الأمطار الغزيرة في شرق الصين في يونيو ويوليو 2016، حيث وجد أن التأثير البشري زاد من احتمالية هذا الحدث.

تحسين الإنذارات المبكرة في أوروبا

وعلى الرغم من المأساة المستمرة، فإن عدد القتلى من الطقس القاسي ينخفض بشكل عام بسبب تحسين الإنذارات المبكرة وإدارة الكوارث بشكل أفضل، وبعد ارتفاع حصيلة القتلى من موجات الحر في أوروبا، بين عامي 2003 و2010، وضعت أوروبا خطط عمل جديدة وإنذارات مبكرة ضد الحرارة والصحة، وكان لذلك الفضل في إنقاذ العديد من الأرواح في العقد الأخير.

وبحسب تقديرات رسمية، فقد سجلت القارة الأوروبية حوالي ألف و672 كارثة، بين عامي 1970 و2019، أدت إلى 149 ألف و438 حالة وفاة، مع أضرار اقتصادية بمقدار 476 مليار و500 مليون دولار.

وعلى الرغم من أن الفيضانات تمثل 38%، والأعاصير 32%، كانت أكثر الكوارث المسجلة، إلا أن درجات الحرارة القاسية تسببت بأعلى نسبة في الوفيات، بلغت 93%، على مدار السنوات الـ50 الماضية.

وتقود المنظمة العالمية للأرصاد الجوية قائمة جديدة من تحالف المياه والمناخ، وهو مجتمع من الجهات الفاعلة متعددة القطاعات، يسترشد بالقيادة رفيعة المستوى، ويركز على العمل المتكامل في مجال المياه والمناخ، بحسب الأمين العام للمنظمة.