د. عاطف محمد كامل
من الملاحظ أن قضايا التغير المناخي والاحتباس الحراري وآثارهما قد أصبحت الشغل الشاغل للعالم هذه الأيام، ويتسبب هذا التغير في حالة الطقس إلى إحداث سلسلة من التأثيرات المتعاقبة، التي تمتد عبر الأنظمة البيئية، مما أدى الى انخفاض أعداد الحيوانات، وحصول حالات انقراض في أماكن محددة من العالم، يرجع أسبابها بصورة مباشرة إلى التغير المناخي وتغير الطقس، ويحذر علماء المناخ من احتمالات تعرض مختلف الأنواع للخطر، جراء ارتفاع درجات حرارة الكوكب، إلا ان هذه الظاهرة تتجلى بصورة واضحة في أمريكا اللاتينية، حيث يتعرض الضفدع والعلجوم لخطر الانقراض.
وقد ساهم الإنسان في تقليص المواطن الطبيعية لكثير من أشكال الحياة، من خلال الممارسات الزراعة غير المستدامة والصيد البري والبحري الجائر وتدمير الموائل الطبيعية، ولا شك في أن هذا الوضع سيزداد سوءاً، فالاحتباس الحراري يهدد آلاف الأنواع الحيوانية والنباتية بالانقراض، أو هذا على الأقل ما كانت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية (IPCC) تتوقعه منذ سنوات.
وحذرت دراسة من أن سدس أنواع الكائنات على الأرض قد تواجه خطر الانقراض إذا لم تتخذ إجراءات لمعالجة التغير المناخي، وأشارت الدراسة، وفقاً لمراجعة أجرتها لبعض الأدلة، إلى أنه إذا استمرت الانبعاثات الكربونية بمستوياتها الحالية، وارتفعت درجات الحرارة بواقع أربع درجات، فإن 16 في المائة من الحيوانات والنباتات ستختفي.
وأوضحت الدراسة، التي نشرت في مجلة «ساينس» العلمية، أن أنواع الكائنات في أمريكا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا هي الأكثر عرضة للخطر، فيما أشارت تقديرات سابقة إلى أن معدلات الخطورة تتراوح بين 0 إلى 54 في المائة، حيث اعتمدت الدراسة على تحليل بيانات من 131 دراسة علمية تتعلق بمخاطر الانقراض جراء التغير المناخي، وخلصت إلى أن معدل فقدان التنوع البيولوجي على الأرجح سيتزايد مع ارتفاع كل درجة حرارة مئوية، وفي حالة ارتفاع درجات الحرارة مستقبلاً بواقع درجتين، مقارنةً بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، فإن مخاطر الانقراض العالمي ستتزايد من 2.8 في المائة حالياً إلى 5.2 في المائة، لكن وفقاً للسيناريو الحالي لمعدلات الاحتباس الحراري، فإن 16 في المائة من الكائنات (واحدة من بين ستة) ستواجه خطر الانقراض.
وكشفت دراسة أخرى حديثة عن أن تأثير تغير المناخ على الأنواع المهددة بالانقراض قد ازداد سلباً في جميع أنحاء العالم، وكانت هذه الآثار صادمة بشكل خاص بالنسبة لقائمة الأنواع المهددة بالانقراض من الثدييات والطيور البرية والبحرية، حتى الأنواع المدرجة في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة.
وتتوقع اللجنة الدولية للتغيرات المناخية أن ارتفاع درجة حرارة الكوكب سيؤدي إلى هلاك كثير من الأنواع البرية والبحرية، ووفق دراسة نشرت في مجلة «طبيعة التغيرات المناخية»، فقد أثر الاحتباس الحراري العالمي بالفعل على حوالي 700 نوع في القائمة الحمراء، أي حوالي نصف الثدييات، وحوالي ربع الطيور، ويظهر البحث أن تغير المناخ ليس تهديداً قد يعترض تلك الأنواع في مرحلة ما في المستقبل، بل مسألة حقيقية لها تأثير سلبي على الأرض في الوقت الحاضر.
وتدرس معظم الدراسات المناخية، التي تركز على التنوع البيولوجي، الآثار المحتملة للاحتباس الحراري العالمي التي يمكن أن ينظر إليها في 50 إلى 100 سنة، ومع ذلك، أظهرت نتائج فريق من الباحثين الذين حققوا في أكثر من 100 دراسة سابقة، أن مجموعة الحيوانات التي تأثرت الآن بالاحتباس الحراري هي بالفعل كبيرة بما فيه الكفاية لتشمل الحيوانات الموجودة في كل قارة.
لقد قللنا بشكل خطير من آثار تغير المناخ على المجموعات الأكثر شهرة، وهذا يعني أن المجموعات الأخرى من الزواحف والبرمائيات والأسماك والنباتات ما زالت تواجه الخطر، والقصة ستكون أكثر بكثير، وأسوأ بكثير من حيث ما نعتقد أن التهديد هو من تغير المناخ بالفعل، لقد أصيبت الحيوانات التي تأكل وجبات غذائية محددة، أو تعيش على ارتفاعات عالية بصعوبة خاصة نتيجة لتأثيرات المناخ، إلا أن الباحثين أبلغوا عن انخفاض أعدادهم، حتى في الحيوانات ذات النظم الغذائية الواسعة النطاق، وتشمل القائمة جميع أنواع الفيلة، ونمور الثلج، والغوريلا الشرقية، وأنواع كثيرة من الطيور.
وهنا يبرز السؤال الجوهري: هل يمكن للحيوانات التكيف مع تغير المناخ؟.. بحسب دراسة علمية جديدة قام بها باحثون من ألمانيا، بناءً على تحليل دقيق لعشرة آلاف دراسة سابقة، فإن الإجابة: نعم، قد تكون الحيوانات قادرة على التكيف، ولكن بوتيرة بطيئة، وهو ما لا يضمن استمرار وجودها في ظل الاحترار السريع الذي تعيشه الأرض اليوم.
* كاتب المقال الدكتور عاطف محمد كامل مؤسس كلية الطب البيطري بجامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، أستاذ وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية باليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، وخبير التغيرات المناخية بوزارة البيئة، والأمين العام المساعد للحياة البرية بالاتحاد العربي لحماية الحياة البرية والبحرية بجامعة الدول العربية