أطلقت الشبكة العربية للبيئة والتنمية «رائد» حملة للتخلص التدريجي من حشوات الأسنان التي تحتوي على عنصر الزئبق، المعروفة باسم «الأملجم»، والتي تُستخدم على نطاق واسع في عيادات أطباء الأسنان والمستشفيات، وذلك لما تمثله هذه المادة (Dental Amalgam) من أضرار خطيرة على صحة الإنسان والبيئة، خاصةً على الأطفال والنساء الحوامل الأكثر عرضة للإصابة بتسمم الزئبق.
يأتي إطلاق الحملة التوعوية بعنوان «أسنان بلا أملجم»، في إطار التعاون بين شبكة «رائد» و«التحالف العالمي لطب أسنان خال من الزئبق»، بهدف التخلص التدريجي من الزئبق ومركباته في منتجات الأسنان، والحد من انبعاثاته إلى البيئة الخارجية، وإيماناً بمبدأ المشاركة الوطنية في سبيل الحفاظ على البيئة من جميع أنواع وأشكال الملوثات، خاصةً التي تشكل تهديداً للصحة العامة.
وقال الدكتور عماد الدين عدلي، المنسق العام لشبكة «رائد»، إنه تم توجيه الدعوة لمختلف الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال البيئة والتنمية المستدامة، للمشاركة في فعاليات الحملة التوعوية «أسنان بلا أملجم»، من خلال تضمين التعريف بالموضوع ضمن أنشطة التوعية التي تنفذها تلك الجمعيات، بما يساعد على نشر الوعي بين أفراد المجتمع عن خطورة هذه الحشوات، وضرورة الحد منها باستخدام البدائل الأكثر أماناً.
ويُستخدم «أملجم الأسنان» في غالبية دول العالم، كما تحتوي العديد من مستحضرات التجميل ومنتجات تفتيح البشرة على كميات كبيرة من الزئبق غير العضوي، إلا أن معظم البلدان بدأت تحظر استخدام هذه المنتجات، لما تشكله من خطر على صحة الإنسان، بينما مازالت دول أخرى تعارض فرض حظر عالمي على مادة «الأملجم»، في المدى القريب، بسبب مخاوف من أن يسبب ذلك مشكلة في مجال الصحة العمومية وقطاع صحة الأسنان.
ورغم دخول اتفاقية «ميناماتا»، وهي معاهدة دولية لحماية صحة الإنسان والبيئة من أضرار الزئبق ومركباته، حيز التنفيذ في شهر أغسطس من عام 2017، إلا أن العديد من الخبراء خلصوا إلى عدم حظر استخدام «الأملجم»، وإنما ينبغي، بدلاً من ذلك، السعي إلى التدرج في تقليل استخدام هذه المادة، عن طريق تعزيز الوقاية من أمراض الأسنان، وتوفير البدائل الآمنة، والاضطلاع بأنشطة البحث والتطوير، وتثقيف المهنيين المعنيين بطب الأسنان، وزيادة الوعي العام.
ويُعد الزئبق من العناصر الطبيعية، حيث يوجد في القشرة الأرضية، ويتم إطلاقه بشكل طبيعي من خلال النشاط البركاني وتآكل الصخور، وهو عنصر موجود بأشكال مختلفة، لكل منها درجة متفاوتة من السمية، ولكن جميعها ضارة بشكل متساو، مما يؤثر على الجهاز العصبي والمخ والقلب والكليتين والرئتين والجهاز المناعي لجميع الكائنات الحية.
ونظراً لأن التعرض للزئبق، حتى الكميات الصغيرة، قد يسبب مشاكل صحية خطيرة، بما في ذلك مشاكل صحية في الرحم، فقد اعتبرته منظمة الصحة العالمية أحد أكثر المواد الكيميائية العشرة في العالم التي تؤثر على الصحة العامة الرئيسية.
ويساهم النشاط البشري في الجزء الأكبر من إطلاق الزئبق في البيئة، حيث يتم إطلاق ما يصل إلى 9 آلاف طن من الزئبق في الغلاف الجوي والمياه وعلى سطح الأرض سنوياً، ويتمثل أكبر مصدر لانبعاثات الزئبق في تعدين الذهب واحتراق الفحم وإنتاج المعادن غير الحديدية وإنتاج الإسمنت، كما تحتوي الكثير من المواد المستخدمة يومياً، مثل مستحضرات التجميل وبعض المصابيح الفلورية وبعض البطاريات وحشوات الأسنان على الزئبق ومركباته.
وبدأ استخدام «أملجم الأسنان» قبل نحو 200 سنة، لعلاج النخر وتآكل الأسنان، حيث بدأ استخدامه لأول مرة في إنجلترا وفرنسا عام 1826، وهو عبارة عن خليط يحتوي على عنصر الزئبق بنسبة 50%، بينما النصف الثاني من عناصر أخرى مثل الفضة والقصدير والنحاس، ونظراً لغلاء البدائل الأخرى، لم يمكن التوقف عن استخدام «الأملجم»، رغم التحذيرات المتزايدة من أضراره، إلا أن أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) توصيات بوقف استخدامه لكل من الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات أو اللاتي يخططن للحمل، والمرضى الذين يعانون من أمراض الكلى، أو يعانون من حالات عصبية.
وتتوافر حالياً العديد من البدائل الآمنة، التي يمكن استخدامها في حشو الأسنان، بدلاً من «الأملجم»، لعل منها «الراتنج المركب» (Resin Composite)، وهو حشوة مصنوعة من مادة الراتنج والبلاستيك، ويتم تجفيفها بضوء المعالجة الأزرق، وتتميز بأنها غير مضرة بالأسنان، وتدوم وقتاً طويلاً، ويمكن استبدالها كل 10 سنوات.
وتُعتبر «الأينومرات الزجاجية» (Glass Ionomer) حشوة صديقة للأسنان، وتتميز بتكلفتها المنخفضة، وإمكانية القيام بها دون مثقب كهربائي، مما يسهل استخدامها في القرى التي لا توجد بها كهرباء، وتقوم هذه الحشوة بإطلاق «الفلوريد»، الذي يمنع الإصابة بتسوس الأسنان، كما تُعد حشوة «البورسلين»، التي يمكن إنتاجها في المختبرات حسب الطلب، من البدائل الآمنة لحشوات «الأملجم»، إلا أنها لا يمكن استخدامها على نطاق واسع، نظراً لأنها باهظة الثمن، مثلها مثل حشوة الذهب.