محمود العيسوي

يرى كثيرون منا، إن لم يكن جميعنا، أن التنمية المستدامة مقصدها الرئيسي هو حماية حق الأجيال المقبلة في أن تعيش حياة كريمة، ولكن هذا الاعتقاد السائد، رغم وجاهته، قد يحمل بين طياته بعض القصور في الإدراك، وربما ينجم عنه خلل في الخطط وسياسيات تحقيق أهداف التنمية المستدامة، نظراً لأن البعض يظن أن الجيل الحالي مازال بمنأى عن التهديد، طالما أن الأمر يتعلق بغيره من أجيال مقبلة.

ولذلك، يتوجب علينا أولاً أن ندرك أن هناك فارق جوهري بين التنمية المستدامة كمفهوم عرفه العالم في سبعينيات القرن الماضي، وبين الأهداف الـ17 للتنمية المستدامة، التي أقرها قادة العالم في شهر سبتمبر من عام 2015، وتتضمن غايات محددة ينبغي على العالم العمل معاً على تحقيقها بحلول عام 2030، أي في غضون 15 عاماً فقط من إقرارها.

فالتنمية المستدامة، التي جاءت امتداداً لمفاهيم أخرى مثل التنمية الشاملة والتنمية المتواصلة، تعني أنه عندما تضع الحكومات خططها وبرامجها لتحقيق تنمية اقتصادية، بمختلف قطاعاتها، عليها ألا تغفل البعد الاجتماعي، سعياً لتحسين حياة السكان، خاصةً في المجتمعات المحلية، إضافة إلى البعد البيئي، بما يضمن حسن استغلال الموارد الطبيعية وعدم إهدارها، ولعل هذا هو المقصود بالحفاظ على حق الأجيال المقبلة في الاستفادة من هذه الموارد.

أما أهداف التنمية المستدامة، التي تعنى بالتصدي لكثير من التحديات التي تواجه سكان الأرض، سواء أبناء الجيل الحالي أو الأجيال المقبلة، فقد وضعت إطاراً زمنياً حتى عام 2030، لتغيير واقع كثير من المجتمعات التي تعاني مشكلات تنعكس على نوعية الحياة، مثل الفقر والجوع ونقص إمدادات المياه وخدمات الصرف الآمنة وعجز الخدمات الصحية، وغير ذلك من التحديات، التي يجب العمل للقضاء عليها تماماً، أو على الأقل الحد من تداعياتها بنسب محددة.

فعلى سبيل المثال، يتضمن الهدف الأول الخاص بالقضاء على الفقر، العمل على تخفيض نسبة من يعانون الفقر بجميع أبعاده بمقدار النصف على الأقل، بحلول عام 2030، مع الأخذ في الاعتبار أن نحو 800 مليون شخص، في الوقت الراهن، يعيشون على أقل من 1.25 دولار يومياً، مما يعني أن هذا الهدف يعني في الأساس بالتصدي للمشكلات الناجمة عن الفقر للجيل الحالي وليس فقط للأجيال المقبلة.

كما أن الهدف الثاني، الذي يعنى بالقضاء على الجوع، فيلفت الانتباه إلى أن نحو 821 مليون شخص من أبناء هذا الجيل، من ضمنهم 90 مليون طفل، يعانون سوء التغذية، ولذلك يسعى هذا الهدف إلى ضمان حصول الجميع على ما يكفيهم من الغذاء الصحي والآمن طوال العام، بحلول 2030، وهذا يؤكد أيضاً أن هذه الأهداف أول ما تسعى إليه هو إنقاذ جيلنا الحالي، وليس فقط الحفاظ على حقوق الأجيال المقبلة.

ورغم أن أهداف التنمية المستدامة ليست ملزمة قانونياً، إلا أنه من المتوقع، قبل نهاية الفترة الزمنية المحددة لتحقيق ما جاء في هذه الأهداف الـ17، أن يجتمع قادة العالم مجدداً لتقييم ما تم تحقيقه، والاتفاق على مجموعة أخرى من أهداف التنمية المستدامة لما بعد 2030.