يُعد القطاع الزراعي في مصر من أكبر القطاعات التي تتأثر بتغير المناخ بشكل مباشر، كما تؤثر فيه، إذا لم يتم اتخاذ تدابير عاجلة وبرامج طموحة في مجال التخفيف من الانبعاثات والتكيف مع تغير المناخ، ويؤدي شح المياه وارتفاع درجة الحرارة وغيرها من العوامل الجوية إلى فرض التأثيرات السلبية على المساحات الزراعية وتدهور نوعية المحاصيل وإنتاجيتها وزيادة امراض النبات، كما يؤدي الجفاف وانطلاق غاز الميثان من الأراضي الزراعية والتعامل عير الرشيد مع المخلفات الزراعية وتناقص المساحات الخضراء، إلى زيادة انبعاثات الغازات المسببة لارتفاع درجات الحرارة، وتستهلك الزراعة نحو 80% من الموارد المائية المتاحة، ولكل هذا اهتم خبراء البيئة بقطاع الزراعة، باعتباره نشاطاً رئيسياً من الأنشطة السكانية في مصر، والمورد الرئيسي للغذاء، والقطاع الأكثر تأثيراً على الموارد الطبيعية للتكيف مع التغيرات المناخية وتقليل الآثار السلبية لها.
يقول الدكتور أحمد زكي أبو كنيز، أستاذ بمعهد بحوث المحاصيل السكرية، رئيس الاتحاد النوعي للبيئة بأسوان، إن من أهم تداعيات التغيرات المناخية على مصر هو غرق قرابة 25% مساحة الدلتا جراء ارتفاع مستوى سطح البحر، وهنا ستكون مصر مضطرة إلى إعادة توطين أكثر من 15 مليون نسمة، سيتم تهجيرهم جراء غرق هذه المساحات، كما سينخفض الإنتاج الزراعي، وبالتبعية تتضخم الفجوة الغذائية محلياً، مما سيؤدي إلى زيادة الاستيراد، وهذا عبء آخر يُضاف إلى أعباء الاقتصاد القومي، كما ان ارتفاع درجات الحرارة سيؤدي إلى خروج العديد من المحاصيل والمنتجات الزراعية من منظومة الزراعة المصرية، فعلى سبيل المثال، سوف تقل إنتاجية الطماطم إلى النصف، بالإضافة إلى التدهور الجيني، والتغير في مواعيد زراعة وحصاد بعض المحاصيل.
الزراعة على المساطب والري بالتنقيط
ومن هذا المنطلق، تبدو أهمية برامج التكيف مع تغير المناخ، كما يؤكد «أبو كنيز»، وهو أيضاً منسق المنصة المحلية لمبادرة «بلدنا تستضيف قمة المناخ الـ27» ف محافظة أسيوط، ويمكن تنفيذ برامج التكيف مع التغيرات المناخية باستخدام عدة طرق، وهي الزراعة على المساطب، والري بالتنقيط، وزراعة قصب السكر بالشتلات، حيث استقر في عقولنا ثوابت وصرنا نؤمن بها وننفذها بدون تفكير، أن قصب السكر لن ينجح إلا في الأراضي ذات الخصوبة العالية، أو ما تعودنا أن نطلق عليها أراضي الدرجة الأولى، أو ان القصب شره في استهلاك المياه، وهذا غير صحيح.
ويضيف أنه «في الآونة الأخيرة، وجدنا من يزرع القصب في الأراضي الرملية والجيرية، أو لنقل بصفة عامة، أن الأراضي الفقيرة وحديثة الاستصلاح، منزرعة بالقصب، والكثير منها يحقق محصولاً يساوي الأراضي القديمة، بل ويتجاوزها»، وتابع: «بدأنا أيضاً بعض التدقيقات في الاحتياجات المائية للقصب، ووجدناها لا تصل إلى 7000 متر مكعب للفدان في الموسم الواحد بالوجه القبلي، وهو الأمر الذي ينم عن أن القصب بريء من استهلاك المياه بشكل زائد».
وللتكيف مع التغيرات المناخية في زراعة القصب، ينبغي التحول إلى استخدام الري بالتنقيط، وعلى مسافات متباعدة تصل إلى متر واحد والزراعة بالشتلات، ويتميز قصب السكر عن البنجر في الإنتاجية، حيث أن توريد محصول 240 ألف فدان قصب، يعطي إنتاجية 900 ألف طن سكر، بينما يعطي محصول 700 ألف فدان من البنجر نحو مليون و400 طن سكر، وسوف يتفوق قصب السكر عن البنجر، ويمكن زراعته في الأراضي الصحراوية.
ويتوقع «أبو كنيز» خروج زراعات القصب من الأراضي القديمة، خلال الـ50 عاماُ القادمة، بهدف تقليل التلوث البيئي، وزراعة محاصيل أخرى في الأراضي القديمة، وقد أصبح هذا الأمر توجهاً قومياً للدولة، وبدأت وزارة الزراعة في إنشاء محطتين لإنتاج شتلات قصب السكر المعتمدة، يقوم عليها معهد بحوث المحاصيل السكرية، الأولى في مركز كوم امبو، والثانية في مركز إدفو، لإنتاج ما يقرب من 100 مليون شتلة في الموسم، مؤكداً أن «زراعة القصب بالشتلات ليست ترفاً، فنحن في أمس الحاجة إليها، لزيادة المحصول، وتوفير كمية التقاوي، وإعطاء فرصة لزراعة محصول شتوي قبل شتل القصب في الأرض المستديمة، مثل القمح أو الشعير وغيرها.
إجراءات مطلوبة ودور مهم للبحث العلمي
ويطالب الدكتور أيمن فريد أبو حديد، وزير الزراعة الأسبق والخبير الدولي في التغيرات المناخية، في محاضرة له بعنوان «مستقبل الزراعة المصرية في ضوء التغيرات المناخية»، بتفعيل اللجان العليا والفنية السابق تشكيلها في وزارة الزراعة، لتقوم بدورها في مواجهة الآثار المحتملة على قطاع الزراعة، وتنشيط المؤسسات والمعامل التابعة للوزارة ولمركز البحوث الزراعية، لأداء دورها الهام والرائد في توفير المعلومات، وإجراء الأبحاث الخاصة بمواجهة آثار التغيرات المناخية على الزراعة.
كما يدعو «أبو حديد» إلى تحديد وفصل اختصاصات وزارات الموارد المائية والري والزراعة، حيث تقتصر تبعية الري الحقلي وما يتعلق به، وتتبع كافة الأنشطة البحثية في مجالات الإنتاج النباتي والري الحقلي إلى وزارة الزراعة واستصلاح الاراضي ومراكز الأبحاث التابعة لها، بالإضافة إلى توفير التمويل الضروري لاستمرار البحوث في مجالات إنتاج و تحسين التقاوي وتطوير السلالات المقاومة لارتفاع الحرارة والجفاف والتملح، وذلك للتأقلم علي تذبذب الطقس والظواهر الجوية الجامحة، الناتجة عن التغيرات المناخية، والتي ستؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة، ومن ثم انتشار العديد من الأمراض النباتية الفطرية، وكذلك الإصابات الحشرية المختلفة، ومن أمثلة ذلك اللفحة المتأخرة لكلٍّ من الطماطم والبطاطس، وصدأ الساق والأوراق لمحصول القمح، الأمر الذي يضيف تحدّياً جديدًا للمحافظة على الإنتاجية والمعاملات الزراعية المناسبة.
الإنسان أولاً وأخيراً
كل هذه الإجراءات الفنية والتنظيمية المهمة، تستهدف حماية البيئة وتحقيق النفع للإنسان، حيث يرى الدكتور عماد الدين عدلي، رئيس المكتب العربى للشباب والبيئة، ورائد مبادرة «بلدنا تستضيف قمة المناخ الـ27»، أن الفلاح المصرى هو نقطة ارتكاز حاضر ومستقبل مصر، وأن التصنيع الزراعي هو الميزة النسبية لضمان الأمن الغذائي والمائي، حتى تقوم الساعة.
ويضيف «عدلي» أنه ينبغي أن يكون الفلاح المصري في بؤرة الاهتمام، و«مثلما نطالب الدول الغنية بأن تدفع للدول الفقيرة والنامية لتمويل مواجهة تغير المناخ، نطالب بأن يكون للفلاح نصيب كبير ودعم كاف، لأنه هو الذى أوجد المادة الأولية الخام، التي قامت عليها الصناعات ومظاهر الحضارة، وحتى لا يهجر الفلاح أرضه، ويبحث أبناؤه عن مهنة أخرى».