في الوقت الذي وضعت فيه الأمم المتحدة هدف القضاء على الجوع في صدارة الأهداف الـ17 للتنمية المستدامة، تشهد المنطقة العربية ارتفاعاً مطرداً في عدد الجوعى، وعدد من يعانون بسبب سوء التغذية، نتيجة مجموعة متشابكة من الأسباب البشرية والطبيعية، دفعت إلى معاناة ما يقرب من 141 مليون شخص من مستويات مختلفة من انعدام الأمن الغذائي.

وبينما يدعو الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة، التي اعتمدها قادة العالم في عام 2015، ضمن «أجندة 2030»، إلى القضاء على الجوع، وتوفير الأمن الغذائي، والتغذية المحسنة، وتعزيز الزراعة المستدامة، تظهر تقديرات وتقارير رسمية أن نسبة الجوع في المنطقة العربية قد ارتفعت بأكثر من 91% عما كانت عليه في عام 2000.

جاء أكبر تحذير من تفاقم قضية الجوع في المنطقة العربية ضمن تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو»، مؤخراً، بعنوان «نظرة إقليمية عامة حول حالة الأمن الغذائي والتغذية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2021»، أظهر أن عدد الجوعى في المنطقة العربية ارتفع إلى أكثر من 69 مليون شخص في عام 2020.

وكشف تقرير «الفاو»، الذي تلقت «جسور 2030» نسخة منه، عن أن ما يقرب من ثلث السكان في المنطقة العربية، أي حوالي 141 مليون شخص، يعانون من مستويات مختلفة من انعدام الأمن الغذائي، تتراوح بين معتدلة وشديدة في عام 2020، وهي السنة التي يستهدفها التقرير، بزيادة قدرها 10 ملايين شخص عن السنة السابقة، التي شهدت بداية تفشي جائحة كورونا.

وأرجع التقرير السبب في تفاقم أزمة الجوع بالمنطقة العربية إلى مجموعة من الأزمات والاضطرابات الممتدة التي تشهدها المنطقة، إضافة إلى تحديات متعددة تتمثل في النزاعات، والفقر، وعدم المساواة، وتغير المناخ، وندرة الموارد الطبيعية، فضلاً عن التداعيات الاقتصادية نتيجة جائحة «كوفيد-19»، التي مازالت العديد من دول المنطقة تحاول التعافي منها إلى الآن.

وفي إطار جهودها لمواجهة هذه التحديات المعقدة، وضمن دورها لدعم الدول الأعضاء في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، أعلنت جامعة الدول العربية عن توقيع بيان مشترك مع عدد من المنظمات الدولية والإقليمية، حيث يدعو البيان، الصادر عن مبادرة القضاء على الجوع في المنطقة العربية، إلى ضرورة التعامل السريع مع تحديات الأمن الغذائي المستجدة في المنطقة العربية.

جرى توقيع البيان بمشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، وأعضاء فريق مبادرة القضاء على الجوع في المنطقة العربية، من ممثلي لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا «الإسكوا»، ومنظمة «الفاو» للشرق الأدنى وشمال أفريقيا، وبرنامج الأغذية العالمي، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، والمنظمة العربية للتنمية الزراعية، والمركز الدولي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، والمجلس العربي للمياه، والاتحاد العربي للصناعات الغذائية، وشبكة بنوك الطعام الإقليمية، والمجموعة العربية لحماية الطبيعة.

تضمن بيان مبادرة القضاء على الجوع في المنطقة العربية، التي أطلقتها جامعة الدول العربية في فبراير 2022، التأكيد على أن تحديات الأمن الغذائي التي تواجه المنطقة العربية، والتي تسببها الصراعات طويلة الأمد، والاحتلال، وتضاؤل الموارد الطبيعية لإنتاج الغذاء، والاعتماد الكبير على الواردات، جميعها من العوامل التي تؤدي إلى هشاشة النظم الغذائية، والركود الاقتصادي، والارتفاع في معدلات البطالة.

وبينما أشار البيان إلى تدهور حالة الأمن الغذائي في المنطقة العربية، وتقلب أسعار المواد الغذائية، بسبب الاضطرابات غير المسبوقة في نظم الإمدادات الوطنية والإقليمية والعالمية، نتيجة جائحة «كوفيد- 19»، واستمرار الأزمة الأوكرانية، فقد دعا إلى إنشاء آلية تمويل من قبل بنوك التنمية والمساعدة الانمائية الرسمية، وغيرها من المصادر، لتسريع وتوسيع نطاق الدعم للأمن الغذائي في الدول المعرضة للخطر، والمشاركة مع مختلف أصحاب المصلحة، في تصميم وتنفيذ تدابير الاستجابة للصدمات.

ويلفت بيان فريق عمل مبادرة القضاء على الجوع في المنطقة العربية الانتباه إلى أحد التحديات التي تواجهها المبادرة، والذي يتمثل في زيادة أسعار المواد الغذائية والأسمدة والوقود، وما ينتج عن ذلك من ضغوط على القدرات المالية للحكومات لدعم الإمدادات الغذائية الأساسية، وقدرة المستهلكين على الحصول على الغذاء، كما يسلط الضوء على الأثر المتفاقم لتغير المناخ على الموارد الزراعية، ولاسيما المياه، مما يؤثر سلباً على الحياة وسبل العيش.

الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، أكد أن بيان مبادرة القضاء على الجوع في المنطقة العربية، الذي تم توقيعه خلال اجتماع فريق العمل من المنظمات الدولية والإقليمية، يأتي بمثابة «إعلام» من جميع المشاركين بأهمية الأمن الغذائي، وإدراك ضرورة العمل معاً سعياً للقضاء على الجوع، مشيراً إلى أن موضوع الأمن الغذائي سيكون أحد الملفات على أجندة الدورة 31 للقمة العربية، التي تُعقد في الجزائر، مطلع شهر نوفمبر المقبل.

وأضاف «زكي»، في تصريحات إعلامية على هامش توقيع بيان مبادرة القضاء على الجوع في المنطقة العربية، الخميس الماضي، أن الفترة الماضية شهدت جهوداً كبيرة، لوضع استراتيجية للأمن الغذائي العربي، لعرضها على قمة الجزائر، والعمل بها فور اعتمادها، واعتبر أن كل هذه التحركات تعكس مدى إدراك الدول العربية لوجود أزمة عالمية وإقليمية.

 واختتم الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية تصريحاته بقوله: «نحن نمتلك المياه والأراضي، ومع ذلك نستورد ما يصل إلى 50% من احتياجاتنا من الغذاء، وهذه نسبة مرتفعة بشكل كبير، ونسعى إلى تخفيضها قدر الإمكان، وفقاً للإمكانيات المتاحة»، معرباً عن أمله في أن تحقق الاستراتيجية المقترحة للأمن الغذائي مصالح الشعوب والمجتمعات العربية.