تلجأ الحكومات في مختلف أنحاء العالم، وفي كثير من الأحيان، إلى تبني خطط طموحة ومبادرات لزراعة ملايين الأشجار وإنشاء غابات جديدة، باعتبارها إحدى الوسائل الرئيسية لمواجهة التغيرات المناخية والحد من تداعياتها، عن طريق امتصاص الكربون وإنتاج الأكسجين، إلا أن دراسة حديثة أُجريت في جامعة «ويلز» بالمملكة المتحدة، حذّرت من أن غالبية هذه المشروعات قد يصاحبها سوء التصميم وغياب الإدارة الرشيدة، وغالباَ ما تفشل في زراعة أي غابات على الإطلاق.
استعرضت الدراسة أهم المبادرات العالمية في زراعة الغابات التي باءت بالفشل، ربما كان أكثر مشروع غرس الأشجار فشلاَ على الإطلاق، ذلك المشروع الذي أعلنت عنه الحكومة الفلبينية في 8 مارس 2012، عندما قامت فرق من المتطوعين القرويين في مقاطعة «كامارينس»، في جزيرة «لوزون»، بزراعة أكثر من مليون شتلة من أشجار المانجروف، لتشكيل غابة تمتد على الشريط الساحلي، وتم زراعة كل هذا العدد من الأشجار خلال ساعة واحدة فقط.
ووصف محافظ المقاطعة، في ذلك الوقت، ذلك المشروع الذي تكلف ملايين الدولارات، بأنه يمثل نجاحاً باهراً لجهوده الحكومة المحلية المستمرة لزيادة المساحات الخضراء في المقاطعة، إلا أن الوضع الراهن حالياً على الشريط الساحلي للجزيرة، وبعد مرور نحو عقد كامل على زراعة مليون شجرة، يكاد يخلو من أي إشارة على وجود غابة لأشجار المانجروف في المنطقة.
وبينما وجدت الدراسة الميدانية، التي أجراها الباحث البريطاني دومينيك ووديهاوس، المتخصص في ترميم أشجار المانجروف في جامعة «ويلز»، أن أقل من 2% من الأشجار فقط قد نجت من الهلاك، بينما تعرضت باقي الشتلات، والتي تبلغ نسبتها 98%، للجفاف أو جرفتها المياه، وأوضحت الدراسة أن النتيجة كانت متوقعة تماماً في مواقع الزراعة الموحلة، بسبب العواصف والأمواج، حيث كانت المنطقة غير مناسبة بيئياَ لإنشاء غابات المانجروف، لأنها مشبعة بالمياه، ولا يوجد أكسجين يسمح للأشجار بالتنفس.
واعتبر فريق الباحثين المشاركين في الدراسة أن «هذه الكوارث ليست غريبة، بل متكررة بشكل مدهش»، فيما حذر الخبراء من أن مشروعات التشجير غير المخططة في مختلف أنحاء العالم، تهدد بتقويض الجهود الدولية المبذولة لجعل الزراعة وسيلة موثوقة لمواجهة التغيرات المناخية، عن طريق تقليل ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، أو توليد أرصدة كربون للبيع للشركات، لتعويضها عن الانبعاثات.
وفي مثال آخر على مشروعات التشجير غير المخططة، التي تتسبب في إهدار كثير من الجهود والموارد الطبيعية، أشارت الدراسة إلى المشروع الذي أعلنت عنه الحكومة التركية في أواخر عام 2019، والذي يتضمن زراعة 300 ألف شجرة في الأراضي الجافة، أي أسرع من أي دولة أخرى في ساعة واحدة، وسجّلت ذلك في موسوعة «جينيس»، كما شهدت مقاطعة «كوروم» في ولاية «بوتان»، وسط تركيا، نجاح فرق من المتطوعين في زراعة 11 مليون شجرة، في 2000 موقع.
وبعد شهرين من الإعلان عن زراعة هذا العدد القياسي من الأشجار، أفاد رئيس نقابة عمال الغابات في تركيا أن المسح الذي أجراه أعضاء النقابة وجد أن ما يصل إلى 90% من المزارع الوطنية قد تعرضت للهلاك، بينما نفت الحكومة ذلك، وأفادت بأن 95% من الأشجار مازالت مستمرة في النمو، إلا أن فريقاً من الخبراء، من خارج أعضاء نقابة عمال الغابات، شكك في صحة التقارير الحكومية، مشيراً إلى أنه لم يتم إجراء أي مراجعة مستقلة لتلك المناطق حتى الآن.
وتعود الجهود الدولية للحفاظ على الغابات الحالية، والبدء في إنشاء غابات جديدة إلى عام 2011، عندما اشتركت العديد من حكومات العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، في «تحدي بون»، وهي مبادرة حددت هدفاً لاستعادة 860 مليون فدان من الأراضي وزراعة الغابات على الصعيد العالمي، بحلول عام 2030، وهي مساحة أكبر من الهند، تكفي لامتصاص 1.7 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، مما يضيف ما يقرب من الربع إلى بالوعة الكربون الحالية في الغابات.
وفي اجتماعه السنوي في دافوس بسويسرا، عام 2020، أطلق المنتدى الاقتصادي العالمي مبادرة زراعة تريليون شجرة، وهي مبادرة تهدف إلى إضافة ثلث المخزون العالمي الحالي من الغابات، المقدر بنحو 3 تريليون شجرة، لكن الإعلان عن غرس هذا العدد الهائل من الأشجار، لم يصاحبه إجراء أي عمليات متابعة لما يتم تحقيقه بالفعل في كل مشروع، وبالتالي أدى غياب المتابعة إلى إهدار قدر كبير من الجهد والموارد المائية في المناطق المخطط تنفيذ المشروع بها.