ما يقرب من نصف سكان العالم سيكونون في خطر شديد نتيجة تأثيرات التغيرات المناخية بحلول عام 2030، وستكون المجتمعات الضعيفة هي الأكثر تضرراً من هذه التداعيات، الأمر الذي دعا قادة العالم المشاركين في الدورة الـ27 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27) المنعقدة حالياً في شرم الشيخ، إلى إطلاق «أجندة شرم الشيخ للتكيف»، التي تُعد بمثابة خطة لتعزيز صمود هذه المجتمعات في وجه التغيرات المناخية.

تم إطلاق «أجندة شرم الشيخ للتكيف» في مؤتمر مشترك بحضور وزير الخارجية، سامح شكري، رئيس الدورة الـ27 لمؤتمر الأطراف، والدكتور محمود محيي الدين، رائد المناخ للرئاسة المصرية للمؤتمر ومبعوث الأمم المتحدة الخاص لأجندة تمويل التنمية المستدامة، وسيمون ستيل، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغيرات المناخية، ونيجل توبنج، رائد المناخ للدورة السابقة لمؤتمر الأطراف (COP26)، التي عُقدت العام الماضي في جلاسكو بالمملكة المتحدة.

تأتي «أجندة شرم الشيخ للتكيف»، التي أطلقتها رئاسة مؤتمر (COP27)، لحشد جهود كافة الأطراف الحكومية وغير الحكومية والشركات والمستثمرين والمجتمع المدني، كاستجابة للأثار المدمرة للتغيرات المناخية التي باتت تؤثر على جميع الشعوب في كافة أنحاء العالم، وتقدم حلولاً عالمية يمكن اعتمادها على المستويات المحلية للمجتمعات الضعيفة.

وتُعتبر «أجندة شرم الشيخ للتكيف» بمثابة أول خطة عالمية شاملة ومشتركة لحشد العمل بشأن 30 محور عمل، بهدف تعزيز قدرة ما يزيد على 4 مليارات شخص يعيشون في المجتمعات الأكثر عرضة للتأثر بالتغيرات المناخية، على الصمود في وجه هذه التأثيرات، في ضوء تحذيرات متزايدة من أن المجتمعات الضعيفة ستكون الأكثر تضرراً من تداعيات التغيرات المناخية.

وقال الوزير سامح شكري، رئيس المؤتمر، إن المشاركين يطمحون في أن «تمثل أجندة شرم الشيخ للتكيف مساهمة كبيرة في تعزيز العمل العالمي، بشأن التكيف والصمود، كأولوية قصوى»، وأشار إلى أن رئاسة المؤتمر ستتابع تنفيذ هذه الأجندة، وستتلقى تقريراً بشأن التقدم المحرز في هذا الصدد، قبل انعقاد الدورة التالية لمؤتمر الأطراف (COP28) في الإمارات العربية المتحدة العام المقبل.

أما بطل المناخ للدورة الـ27، محمود محيي الدين، فقال إنه تم تحديد الأهداف الـ30 لأجندة شرم الشيخ للتكيف بالاشتراك مع مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة، مما يعكس الأهداف العالمية الحالية والجديدة القائمة على العلم، إلى جانب المعرفة والمبادرات المحلية، وأضاف أنه سيتم مراجعة الأهداف كل فترة، من خلال رواد المناخ رفيعي المستوى، بمدخلات من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، لدعم تفعيلها.

ومن جانبه، اعتبر سيمون ستيل، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، أن أجندة شرم الشيخ للتكيف حتى عام 2030، تضع الاحتياجات البشرية الأساسية في صميم خطط العمل المحلية بكل حزم، إلى جانب إجراءات ملموسة ومحددة على أرض الواقع، وأضاف: «نحن بحاجة إلى عمل كل المسؤولين للتعامل مع الآثار الحالية والمستقبلية لتغير المناخ».

جاء إطلاق «أجندة شرم الشيخ للتكيف» بعد أيام من صدور تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) حول «فجوة التكيف المناخي لعام 2022»، والذي يكشف عن وجود فجوة كبيرة بين الاحتياجات الفعلية للدول النامية من التمويل المخصص للتكيف مع التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، وبين ما تقدمه الجهات التمويلية لهذه الدول بالفعل.

وبحسب تقرير فجوة التكيف المناخي، فإن هناك تقدم طفيف في هذا الشأن، مما يثير كثيراً من المخاوف بشأن الإخفاق في التكيف مع التغيرات المناخية، الأمر الذي قد يضع مناطق من العالم في مواجهة مخاطر بالغة، حيث أظهر التقرير أن غالبية الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ وضعت خططاً للتكيف هذا العام، بزيادة 5% فقط عن معدلات العام الماضي.

كما أشار تقرير «فجوة التكيف»، إلى أنه بينما ارتفع معدل التركيز على حماية الفئات المحرومة والأكثر ضعفاً، فإن تدفقات التمويل الدولية الموجهة لمساعدة البلدان النامية على التكيف مع التغيرات المناخية، كانت أقل بمعدل من 5 إلى مرات من الاحتياجات المقدرة، وحذر من أن «الفجوة تزداد اتساعاً»، حيث تُقدر احتياجات التكيف حالياً بما يتراوح بين 160 و340 مليار دولار سنوياً حتى عام 2030، من المتوقع أن ترتفع بما يتراوح بين 315 و565 مليار دولار بحلول عام 2050.

وبينما تحتل قضية «الخسائر والأضرار»، مرتبة متقدمة في نقاشات الدورة الحالية من قمة المناخ (COP27)، بناءً على طلب من الدول النامية، فإن محور «التكيف» يُعد أحد المحاور الرئيسية الأربعة التي يركز عليها الحدث العالمي الأكبر بشأن العمل المناخي في عام 2022، من بين أهداف أخرى متعلقة بالتمويل المناخي، وتخفيف الانبعاثات، وعقد الشراكات.

وتتضمن «أجندة شرم الشيخ للتكيف» عدة محاور رئيسية تتعلق بنظم الأمن الغذائي والزراعة، والنظم الطبيعية والمياه، ونظم المستوطنات البشرية، ونظم المحيطات والمناطق الساحلية، ونظم البنية التحتية، والتخطيط التقاطعي، إضافة إلى التمويل التقاطعي، وتستهدف الأجندة في الأساس تعزيز حماية نحو 4 مليارات شخص يعيشون في المجتمعات الأكثر عرضة للتأثر بالمناخ بحلول عام 2030، ويعانون من كوارث مناخية ناتجة عن الحرارة الشديدة، أو الجفاف، أو الفيضانات.

ومن أهداف الأجندة كذلك، تحقيق إجراءات التكيف من خلال عدة قطاعات، في مقدمتها الزراعة، حيث يتطلع المؤتمر إلى دعم الزراعة المستدامة المقاومة للمناخ، والتي يمكن أن تزيد المحاصيل بنسبة 17%، وتساعد المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة على المستوى الاقتصادي، وفي الوقت نفسه تقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وتشمل الأجندة المقترحة أيضًا، توفير «نظم الإنذار المبكر»، والتي من شأنها أن تحمي 3 مليارات شخص من الآثار القاسية لتغير المناخ. وقد حذر تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، من أن نصف دول العالم تفتقر إلى تغطية نظم الإنذار المبكر، وأن هذه الخدمة غير متاحة لمَن هم في أمسّ الحاجة إليها، على حد قول التقرير.

وبالمثل، تستهدف الأجندة استثمار 4 مليارات دولار أمريكي، لحماية 15 مليون هكتار من أشجار المانجروف، سواء بالحفاظ على القائم منها، أو بإعادة زراعة أشجار جديدة، وذلك لأن هذه الأشجار تعد حارسًا قويًا للطبيعة، وتحمي الشواطئ من خلال منع تآكلها.

وتهدف الأجندة إلى حشد تمويل مبتكر لا يقل على 10 مليارات دولار سنوياً، وتوفير الوصول إلى وقود الطهي النظيف لـ2.4 مليار شخص حول العالم، وكان من القطاعات التي استهدفتها الأجندة، «استعادة الأنظمة الطبيعية»، من خلال القضاء على إزالة الغابات بحلول 2050، وتنفيذ أنظمة الري المستدامة عبر 20% من أراضي المحاصيل العالمية للحفاظ على توافر المياه، مع دعم نمو المحاصيل.

وتعمل أجندة شرم الشيخ للتكيف على تسريع الإجراءات التحويلية من قبل البلدان والمناطق والمدن والشركات والمستثمرين والمجتمع المدني، للتكيف مع المخاطر المناخية الحادة، التي تواجه المجتمعات الضعيفة، ودعا رئيس مؤتمر الأطراف الجهات الفاعلة، الحكومية وغير الحكومية، للانضمام إلى جدول الأعمال في (COP27) وما بعده.