أطلقت وزارة البيئة دعوة مفتوحة إلى كافة الأطراف المعنية بقضية التغيرات المناخية، سواء الوزارات والهيئات الحكومية، أو منظمات المجتمع المدني، أو وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية، أو شركات القطاع الخاص، إضافة إلى وسائل الإعلام والمراكز البحثية المختلفة، للمشاركة في صياغة أول خطة وطنية للتكيف مع التغيرات المناخية، بهدف تعزيز القدرات الوطنية للحد من التأثيرات السلبية الناجمة عن ظاهرة تغير المناخ، في ضوء الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية لعام 2050، التي أعلنتها الحكومة المصرية، قبل شهور قليلة من مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP-27)، الذي استضافته مدينة شرم الشيخ في نوفمبر 2022.

جاءت هذه الدعوة خلال ورشة العمل الافتتاحية لمشروع «صياغة وتطوير عملية خطط التكيف الوطنية في مصر»، بحضور وزيرة البيئة، الدكتورة ياسمين فؤاد، ووزير الموارد المائية والري، الدكتور هاني سويلم، ووزير السياحة والآثار، أحمد عيسى، والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر، أليساندرو فراكاسيتي، والدكتور علي أبوسنة، الرئيس التنفيذي لجهاز شؤون البيئة، والدكتور محمد فهيم، رئيس مركز معلومات المناخ، التابع لوزارة الزراعة، نائباً عن وزير الزراعة، والدكتور محمد بيومي، مساعد الممثل المقيم للبرنامج الإنمائي، والمهندس أحمد عبدالحميد، مدير المشروع، وعدد كبير من ممثلي الوزارات والهيئات المعنية المختلفة، ولفيف من الخبراء والإعلاميين.

وفي كلمتها أمام ورشة العمل، وجهت وزيرة البيئة الشكر إلى أعضاء فرق العمل الفنية والخبراء من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومن جهاز شؤون البيئة، على جهودهم من أجل الحصول على تمويل لمشروع الخطة الوطنية للتكيف (NAP)، بقيمة 2.7 مليون دولار، من صندوق المناخ الأخضر، واعتبرت أن المشروع، الذي يستغرق تنفيذه 4 سنوات، يُعد حجر الأساس للبدء في صياغة وتنفيذ خطة للتكيف مع التغيرات المناخية، بهدف التقليل من المخاطر الناجمة عنها، بالإضافة إلى وضع تقييم وطني متكامل لمخاطر المناخ، وتحديد أولويات التكيف لإدراجها في وثيقة الخطة، والعمل على دمج هذه الأولويات في العمليات الوطنية للتخطيط والموازنة، بالإضافة إلى زيادة الاستثمار في إجراءات التكيف.

وأشارت الوزيرة إلى أهمية هذا المشروع، الذي يأتي في وقت يشهد زيادةً في حدة التغيرات المناخية، سواء من خلال ارتفاع درجات الحرارة، أو زيادة معدلات هطول الأمطار عن معدلاتها الطبيعية، أو حدوث موجات جفاف شديدة وطويلة في بعض المناطق، مما نجم عنه تغير في أنماط المحاصيل الزراعية، الأمر الذي بات يهدد الأمن الغذائي، كما اعتبرت أن المشروع يأتي في إطار مؤتمر قمة المناخ (COP-27)، الذي كان محور التكيف مع التغيرات المناخية على رأس جدول أعماله، مما أسهم في إصدار «أجندة شرم الشيخ للتكيف»، التي تُعد أول خطة عالمية شاملة تتضمن 20 بنداً، من المقرر أن يتم عرضها على مؤتمر (COP-28)، الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة أواخر هذا العام، للتصديق عليها.

وبينما أشارت وزيرة البيئة إلى أن محور التخفيف من الانبعاثات المسببة للتغيرات المناخية حظي باهتمام كبير خلال السنوات الماضية، فقد شددت على أهمية التركيز على محور التكيف، وضرورة إحداث توازن بين التخفيف والتكيف، في ظل ارتفاع الوعي لدى كافة فئات المجتمع بالتغيرات المناخية، والتأثيرات السلبية الناجمة عنها، وأكدت أن مشروع الخطة الوطنية للتكيف يهدف إلى حشد المشاركة المجتمعية، إلا أنها اعتبرت أن أحد أكبر التحديات التي قد تواجه المشروع، يتمثل في القدرة على الابتكار وصياغة حزمة من مشروعات التكيف، تكون قابلة للتمويل من البنوك أو الجهات المختلفة، فضلاً عن جذب شركات القطاع الخاص للمشاركة في تمويل وتنفيذ هذه المشروعات، خاصةً وأن مشروعات التكيف عادةً ما تحظى بفرص تمويلية أقل، مقارنةً بمشروعات التخفيف.

ومن جانبه، استعرض وزير الموارد المائية والري، في كلمته أمام ورشة العمل، عدداً من التحديات التي تواجه قطاع المياه في مصر، نتيجة التغيرات المناخية، مشيراً إلى ارتفاع حدة ووتيرة الأحداث المناخية الجامحة، مثل السيول، التي باتت تهدد مناطق لم تتعرض لمثل هذه التهديدات من قبل، وهطول أمطار غزيرة على بعض المدن والمحافظات في وادي النيل، وكذلك ارتفاع درجة الحرارة، مما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على استخدامات المياه، وارتفاع مستوى سطح البحر، الذي لا يقتصر تأثيره على تهديد المناطق الساحلية بالغرق فقط، وإنما يؤدي إلى زيادة نسبة ملوحة المياه الجوفية في مناطق شمال الدلتا، فضلاً عن التأثيرات غير المتوقعة للتغيرات المناخية على منابع النيل.

أما وزير السياحة، فقد اعتبر أن قطاع السياحة والآثار من أكثر القطاعات تأثراً بتغير المناخ، وأوضح أن الوزارة تعمل على هذا الملف وفقاً للاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، في إطار التخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتكيف مع التغيرات المناخية، كما تحدث عن دور الوزارة في إدارة وتنظيم صناعة السياحة في مصر، في ظل أهمية هذه الصناعة بالنسبة للاقتصاد القومي، وتوفير فرص العمل، ولفت إلى أن الطلب على السياحة على مستوى العالم يشهد تغيرات سريعة، حيث تظهر بعض الدراسات التسويقية أن عدداً كبيراً من السائحين، في أنحاء العالم، يفضلون السفر مع مؤسسات تتوافق مع المعايير البيئية المختلفة، وتسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وشدد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) على أهمية الإعداد لخطة التكيف الوطنية مع التغيرات المناخية، مؤكداً أنه لن يمكن إعداد هذه الخطة الطموحة، بدون تحالف واسع النطاق بين الأجهزة الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والوكالات الدولية، كما أكد أن العمل على موضوع التكيف مع التغيرات المناخية يزداد إلحاحاً على الصعيد العالمي، مع مرور الوقت، ولفت إلى أن البرنامج يدعم ما يقرب من 35 دولة، في مختلف أنحاء العالم، لوضع خطط التكيف مع التغيرات المناخية، كما أشار إلى التعاون مع وزارة البيئة في مصر، في عدد من المشروعات لإعداد الاستراتيجيات البيئية، ومنها الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية، وفي إعداد تقارير الإبلاغ الوطني بشأن تغير المناخ.

ومن جانبه، قال رئيس جهاز شؤون البيئة إن ورشة العمل الافتتاحية لمشروع خطة التكيف الوطنية (NAP)، تُعد أولى المحطات في عملية تنفيذ المشروع في مصر، بهدف تعزيز القدرات البشرية والمؤسسية، لوضع وتنفيذ خطط عملية للتكيف، بالإضافة إلى تقييم مخاطر التغيرات المناخية، وتحديد أولويات التكيف مع تلك المخاطر، ودمج هذه الأولويات فى الموازنة والتخطيط، داعياً كافة الجهات المشاركة إلى مزيد من التعاون، لإنجاح هذا المشروع، الذي يُعتبر بداية لعملية مرنة، يتم تحديثها وفقاً للمستجدات والأولويات الوطنية، مشيراً إلى أن المشروع سيقوم بالبناء على التقدم المحرز في مجال التصدي للآثار السلبية للتغيرات المناخية، لضمان توحيد الجهود، والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة.

وقدم مدير مشروع الخطة الوطنية للتكيف عرضاً تضمن التعريف بالخطة وأهدافها والنتائج المرجوة منها، مشيراً إلى أنه يجري الإعداد لهذا المشروع منذ عام 2017، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتم توقيع مذكرة تنفيذ المشروع منتصف العام الماضي، بعد الحصول على تمويل بقيمة 2.7 مليون دولار من صندوق المناخ الأخضر، ودعا المشاركين إلى التركيز على مفهومين أساسيين، عند الإعداد للخطة الوطنية للتكيف، المفهوم الأول يتعلق بـ«الملكية الجماعية»، بمعنى أن الخطة ليست ملكاً لجهة بعينها، وإنما تشارك فيها كافة القطاعات والجهات، ويختص المفهوم الثاني بـ«التفكير الشمولي»، بما يعني أن تقوم كافة الجهات بالتعاون فيما بينها، من أجل تحقيق أهداف الخطة وفقاً لأولوياتها.