الاستفادة من الموارد المتاحة ورأس المال البشري للحد من الفقر وضمان الأمن الغذائي
تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتحقيق أهداف التنمية المستدامة
وسط مؤشرات متزايدة على أن «المنطقة العربية ليست على المسار الصحيح»، خرج المنتدى العربي للتنمية المستدامة لعام 2023 بمجموعة رسائل، يتم رفعها إلى المنتدى السياسي رفيع المستوى للتنمية المستدامة، الذي تعقده الأمم المتحدة في شهر يوليو المقبل، تتضمن إطلاق دعوة صريحة للإسراع في تنفيذ «خطة 2030»، والاستفادة من الموارد المتاحة، ورأس المال البشري المتوفر، للحد من معدلات الفقر المتزايدة، وضمان الأمن الغذائي، ومعالجة أوجه عدم المساواة، بالإضافة إلى تشجيع الشراكات بين كافة الأطراف، من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وعقدت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا «الإسكوا» الدورة السنوية للمنتدى العربي للتنمية المستدامة في بيت الأمم المتحدة بالعاصمة اللبنانية بيروت، تحت عنوان «حلول وعمل»، واستمرت فعاليات المنتدى على مدار 3 أيام، في الفترة من 14 إلى 16 مارس، بهدف إشراك الحكومات وكافة المعنيين بصياغة وتنفيذ السياسات اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية، بحضور وفود رفيعة المستوى، وممثلين عن الحكومات العربية والمنظمات الإقليمية والدولية والمجتمع المدني والقطاع الخاص، بالإضافة إلى لفيف من البرلمانيين والأكاديميين والخبراء.
جاء تنظيم المنتدى العربي للتنمية المستدامة لعام 2023 بالتعاون مع جامعة الدول العربية، و16 هيئة من هيئات الأمم المتحدة العاملة في المنطقة العربية، وافتتح فعاليات المنتدى كل من الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، ونائب الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، ووزير التخطيط والتعاون الدولي بالجمهورية اليمنية، واعد عبدالله باذيب، التي تتولّى بلاده رئاسة الدورة الحالية للمنتدى لعام 2023، إضافة إلى وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للجنة «الإسكوا»، رولا دشتي.
واستعرض المنتدى طائفة واسعة من المبادرات المبتكرة تدعم تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة العربية، كما تم التركيز على مراجعة التقدم المحرز فيما يتعلق بـ5 أهداف من الأهداف الـ17 للتنمية المستدامة، منها الهدف السادس، المعني بالمياه النظيفة والنظافة الصحية، والهدف السابع الخاص بالطاقة النظيفة بأسعار معقولة، والهدف التاسع المعني بالصناعة والابتكار والبنى التحتية، والهدف رقم 11 الخاص بالمدن والمجتمعات المحلية المستدامة، فضلاً عن الهدف الـ17 المعني بعقد الشراكات لتحقيق الأهداف.
في كلمتها أمام المنتدى، قالت نائب الأمين العام للأمم المتحدة إن «الصورة واضحة، فالعالم، بما في ذلك المنطقة العربية، ليس على المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة»، واعتبرت أن العالم أمام «فرصة أخيرة لتحقيق هذه الأهداف»، وأضاف: «يجب أن نكون واقعيين، ولكن أيضاً جريئين، ويجب أن نعيد ترتيب الأولويات، ونلتزم بمبادئ خطة التنمية المستدامة لعام 2030»، واختتمت أمينة محمد كلمتها بالتأكيد على أن «المنطقة في أمس الحاجة إلى رؤية لتحقيق الاختراق التنموي المنشود».
وحث المشاركون في فعاليات المنتدى العربي للتنمية المستدامة المجتمع الدولي على دعم الدول النامية، خاصةً الدول التي تعاني من تبعات النزاعات والديون المرتفعة، من أجل مساعدتها في تعزيز قدرتها على تحمل أعباء الديون، كما دعا المنتدى حكومات المنطقة إلى الاستفادة من الموارد المتاحة، ورأس المال البشري المتوفر، لتخفيض معدلات الفقر المتزايدة، وضمان الأمن الغذائي، ومعالجة أوجه عدم المساواة، إضافة إلى تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
من جانبه، شدّد الأمين العام لجامعة الدول العربية على أن المنطقة تواجه عدداً من المشكلات المتداخلة والمعقدة، التي أصبحت واقعاً مستداماً، يجب التعامل معه باستمرار، ويقتضي حلّها خططاً شاملة لا تقبل التجزئة، للوصول إلى استراتيجيات مستدامة، وأشار «أبو الغيط» إلى أن «البلدان العربية تحتاج إلى بناء قدرات مؤسساتها الوطنية والإقليمية، لجعلها أكثر مرونة وقدرة على التنبؤ».
أما وزير التخطيط اليمني فقد أكد، في كلمته، أن المنتدى العربي للتنمية المستدامة 2023 يأتي بعد انقضاء نصف الفترة الزمنية لخطة التنمية المستدامة لعام 2030، ليقف على عتبة منتصف الطريق، ويقيّم ما أحرزته المنطقة العربية من إنجازات، وما تواجهه من تحديات، على صعيد تحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما يستكشف في الوقت ذاته، فرص تسريع الخطى، وتذليل الصعوبات التي تعيق المضي قدماً في إنجاز هذه الأهداف، واعتبر أن «النتائج المحققة، حتى الآن، لا زالت دون المأمول»، كما شدد على أن «الفجوات في اتساع متزايد، ومنحنى الصعود إليها أقل من الطموح».
ومن المتوقع، وفق تقديرات «الإسكوا»، أن يعيش نحو 75% من سكان المنطقة العربية في المدن بحلول عام 2050، حيث تشهد المنطقة توسعا حضرياً يُعَد من الأكبر في العالم، مما يرفع الحاجة فيها إلى الطاقة، الأمر الذي دفع غالبية المتحدثين إلى الدعوة لتحقيق تحول عادل وشامل في مجال الطاقة، للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري.
كما دفعت جائحة «كوفيد 19»، والأزمة الروسية الأوكرانية، عدداً من الدول العربية إلى الانتقال من العمل بسياسات الأمن الغذائي، نحو استراتيجيات الاكتفاء الذاتي، التي تضع ضغوطًاً إضافية على الموارد المائية الشحيحة، وفي هذا السياق، دعا المنتدى الحكومات العربية إلى ضمان الأمن المائي للجميع، وخاصةً للفئات الضعيفة، إذ أن 90% من سكان المنطقة يعيشون في بلدان تعاني من ندرة المياه.
وبدورها، دعت والأمين التنفيذي للجنة «الإسكوا» إلى اعتماد نهج جديد يقوم على التكنولوجيا، لمواكبة الثورتين الصناعيتين الرابعة والخامسة، وأضافت أنه «من غير المقبول أن يولد الطفل العربي مديوناً، وأن يرث ديناً، بدلاً من أن يرث مستقبلاً مشرقاً»، وأكدت «دشتي» أن «هذا يُحتم علينا جميعاً، أن نعزز التنسيق والتعاون في ما بيننا، لإحداث التغيير المنشود».
واقترح المنتدى مجموعة حلول متعلقة بالسياسات اللازمة للتسريع بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتأمين التمويل لمواجهة التحديات الحالية، كما بحث في طرق لتطوير التحول الرقمي، وتعزيز التنمية الصناعية، والمرونة الحضرية، وخلق فرص عمل للشباب.
ويُعد المنتدى العربي للتنمية المستدامة هو الآلية الإقليمية الرئيسية المعنيّة بمتابعة تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، حيث يجري استعراض التقدّم المحرز في المنطقة العربية على هذا المسار، كما يصدر عن المنتدى العربي تقرير يتضمن أهم الرسائل المنبثقة من الحوار الإقليمي، حول الفرص والتحديات المتعلّقة بتنفيذ خطة عام 2030، والتي من المقرر أن يتم رفعها إلى المنتدى السياسي الرفيع المستوى المعني بالتنمية المستدامة، المزمع عقده في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، في شهر يوليو المقبل.