خسائر فادحة في الأرواح وسبل العيش والأنظمة الصحية والمجتمعات والاقتصادات، خلفتها جائحة «كوفيد-19» في مختلف أنحاء العالم، ودفعت كثيراً من الدول إلى الابتعاد عن المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما فيها الأهداف الصحية، وفي مقدمتها الهدف الثالث، الخاص بضمان تمتع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار.

في أحدث تقرير لها لتقييم الوضع الصحي في العالم، بعد تراجع حدة الجائحة، التي أثارت حالة غير مسبوقة من الذعر على مدار أكثر من 36 شهراً، بين عامي 2020 و2022، أكدت منظمة الصحة العالمية أن جائحة «كوفيد-19» قد أعاقت التقدم تحو تحقيق أهدف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة، ودعت إلى العمل على حشد استثمارات عاجلة للعودة إلى المسار الصحيح.

وأكدت منظمة الصحة العالمية، بحسب التقرير الذي حصلت عليه «جسور 2030»، أن أثار الجائحة قد ألحقت أضراراً بالغة بالأوضاع الصحية في العالم، حيث تتزايد التهديدات التي تمثلها الأمراض غير المعدية، وتغير المناخ، بشكل كبير.

وأظهر التقرير السنوي لإحصاءات الصحة العالمية أنه بين عامي 2020 و2022، أدت جائحة «كوفيد-19» إلى فقدان ما يوازي 336.8 مليون سنة من العمر على مستوى العالم، وهذا يعادل فقدان 22 عاماً من العمر مقابل كل حالة وفاة إضافية.

كما تراجعت العديد من المؤشرات المتعلقة بالصحة، بسب الجائحة، والتي ساهمت في انعدام المساواة في الحصول على رعاية صحية عالية الجودة، والتحصينات الروتينية، والحماية المالية، ونتيجة لذلك، انعكست اتجاهات التحسن فيما يتعلق بالملاريا والسل، بينما تم معالجة عدد أقل من الناس من أمراض المناطق المدارية المهملة.

وأشارت منظمة الصحة العالمية، في تقريرها هذا الأسبوع، إلى أنه على الرغم من التقدم الصحي العام منذ عام 2000، إلا أن الأمراض غير السارية، أو غير المعدية، مازالت تحصد أرواح الملايين من البشر بشكل متزايد، حيث أصبحت تتسبب الآن في حوالي ثلاثة أرباع الوفيات العالمية كل عام.

وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم جيبرييسوس، إن التقرير يحمل «رسالة صارخة بشأن تهديد الأمراض غير المعدية، التي تلحق خسائر فادحة ومتزايدة في الأرواح وسبل العيش والأنظمة الصحية والمجتمعات والاقتصادات»، ودعا إلى زيادة الاستثمارات في الصحة والنظم الصحية، للعودة إلى المسار الصحيح نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وعلى الرغم من أن التقرير يظهر انخفاض التعرض للعديد من المخاطر الصحية، بما فيها استخدام التبغ، وتناول الكحول، والعنف، والمياه غير المأمونة، وعدم توفر الصرف الصحي، وتقزم الأطفال، إلا أن هذا التقدم لم يكن كافياً، فيما لا يزال التعرض لبعض المخاطر، مثل تلوث الهواء، مرتفعاً.

ومن المثير للقلق أن انتشار السمنة آخذ في الارتفاع، ولا تظهر أية مؤشرات على انعكاسه، علاوة على ذلك، أشار التقرير إلى تباطؤ التقدم في الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، مقارنةً بمكاسب ما قبل عام 2015، ولم يتم إحراز تقدم يذكر في الحد من المصاعب المالية التي تسببها تكاليف الرعاية الصحية، الأمر الذي دفع منظمة الصحة العالمية إلى القول إن هذه التحديات تحد بشكل كبير من قدرة العالم على تحقيق التغطية الصحية الشاملة بحلول عام 2030.

ونقل التقرير عن الدكتورة سميرة أسماء، مساعدة المدير العام لمنظمة الصحة العالمية لشؤون البيانات والتحليلات، أن «جائحة كوفيد-19 هي تذكير مهم بأن التقدم ليس خطياً ولا مضموناً، وللبقاء على المسار الصحيح، نحو خطة التنمية المستدامة لعام 2030، يجب أن نتصرف بشكل حاسم وجماعي، لإحداث تأثير قابل للقياس في جميع البلدان».