انتهت الدورة الـ28 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28» بقرارات تاريخية، تحقق طموحات كثير من الشعوب، وتقود إلى طفرة كبيرة في العمل المناخي على الصعيد العالمي، بدايةً من تفعيل صندوق الخسائر والأضرار منذ اليوم الأول للمؤتمر، وصولاً إلى «اتفاق الإمارات»، الذي صدر في ختام المفاوضات، والذي يكتب فاصل النهاية لعصر البترول.

ولأول مرة في تاريخ مؤتمرات المناخ، يتم النص صراحة على مواجهة الوقود الأحفوري بأنواعه المختلفة، وإن لم يكن النص صراحة على مواعيد زمنية محددة، لكنها البداية لما قال عنه العلماء والخبراء الذين شاركوا في قمة المناخ، إنه «بداية النهاية لعصر الوقود الأحفوري».

لم تكن قضية الوقود الأحفوري بشقيها، سواء من حيث خفض الانبعاثات أو خفض الدعم غير الضروري، هي النتيجة الوحيدة التي تحققت في مؤتمر «COP28»، ولكن هناك قرارات تاريخية أخرى، لعل أهمها الإعلان عن أكثر من 726 مليون دولار في اليوم الأول، لصندوق الخسائر والأضرار، وتحقيق وعود وتعهدات مالية تفوق 85 مليار دولار لدفع جهود العمل المناخي في العالم.

تستعرض «جسور 2030»، في هذا التقرير، عدداً من أبرز النتائج التي أسفرت عنها قمة المناخ، التي عُقدت فعالياتها في الفترة من 30 نوفمبر إلى 13 ديسمبر 2023، بمدينة «إكسبو دبي»، في دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة بين ممثلي كافة الأطراف.

نهاية عصر الوقود الأحفوري

يُعد مؤتمر «COP28» هو أول مؤتمر للأطراف يعترف رسمياً بأن الوقود الأحفوري هو السبب الجذري للتغيرات المناخية، حيث جاء ذكر الوقود الأحفوري، لأول مرة، في اتفاقية المناخ الدولية في ختام مؤتمر «COP26» في جلاسكو بالمملكة المتحدة، عام 2021، ومع ذلك، فقد افتقرت الاتفاقية الدولية إلى الطموح نتيجة غياب آليات التنفيذ.

أرادت معظم البلدان بياناً قوياً بشأن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، أو على الأقل التخلص التدريجي، وبدلاً من ذلك، اتفقت الأطراف على بيان ينص على أنه «يجب الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، لتسريع العمل في هذا العقد الحرج، وذلك لتحقيق صافي الصفر بحلول عام 2050 بما يتماشى مع العلم».

لم يستخدم النص النهائي عبارات مثل «التخلص التدريجي»، ولكن بدلاً من ذلك، دعا إلى التعجيل باستبدال الوقود الأحفوري بمصادر الطاقة المتجددة، وإلى حد ما، وصفت تلك اللغة ما كان يحدث بالفعل في جميع أنحاء العالم، حيث بدأت الكثير من الحكومات في انتهاج سياسات للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر.

ورغم أن تعبير «الانتقال بعيداً» الوارد في نص الاتفاق، بدلاً من «التخلص التدريجي»، ليس بالقوة التي أرادها الكثيرون، فإن العديد من الأطراف، التي كانت تنادي بالتخلص الكامل من الوقود الأحفوري، ومنها تحالف الدول الجزرية الصغيرة، اعتبرت أن هذه القرارات تمثل «تقدماً تدريجياً» نحو الحفاظ على هدف اتفاق باريس لتجنب الاحترار العالمي بأكثر من 1.5 درجة مئوية.

صندوق الخسائر والأضرار

«الخسائر والأضرار» هو المصطلح الذي يطلق على تمويل البلدان النامية التي عانت من كارثة كبرى مرتبطة بتغير المناخ، وتم الاتفاق على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار في مؤتمر الأطراف السابع والعشرين «COP27»، في شرم الشيخ بمصر أواخر العام الماضي 2022، وتعني الإعلانات الأخيرة أنه تم التعهد الآن بأكثر من 700 مليون دولار.

وعلى الرغم من هذه الأرقام الكبيرة التي حققها المؤتمر من الناحية المالية، إلا أنها تعتبر مجرد بداية، حيث أنها لا تمثل قطرة في محيط، مقارنةً بتعهدات سابقة بتقديم 400 مليار دولار المطلوبة فعلياً لمساعدة الدول النامية والفقيرة، التي تقف في الصف الأول لمواجهة فوضى المناخ، التي تتحمل الدول الغنية الجزء الأكبر من المسؤولية عنها.

ولا يزال من غير الواضح كيف سيعمل الصندوق، أو ما هي مصادر التمويل الرئيسية، وعلى الرغم من المعارضة، فقد تم الاتفاق على أن يتولى البنك الدولي إدارة الصندوق مقابل رسم متفاوض عليه بنسبة 24%، مما يعني أن واحداً من كل أربعة دولارات تم التعهد بها، لن يوجه للغرض المخصص له، وتم تأجيل قضايا رئيسية للتمويل إلى مؤتمر الأطراف المقبل «COP29»، في أذربيجان، أواخر العام المقبل 2024.

الطاقة المتجددة والوقود الانتقالي

جاء التعهد الذي وقعت عليه 118 دولة، لمضاعفة الطاقة المتجددة بمقدار ثلاثة أضعاف القدرة الإنتاجية، ومضاعفة المعدل العالمي لكفاءة استخدام الطاقة بحلول عام 2030، كخطوة في الاتجاه الصحيح، ليشكل أحد أكبر الإنجازات التي تحققت في مؤتمر «COP28» في دبي.

يعترف نص التعهد بدور «الوقود الانتقالي» في الحفاظ على أمن الطاقة في الوقت الراهن، وهذا يجعل استخدام الوقود الأحفوري المسال، أمراً مقبولاً، ورغم أن هذا لا يحقق الطموحات العالمية، إلا أنه بالنسبة لكثير من الدول النامية، لا يزال خياراً أكثر صحة وأقل تلويثاً من بدائل أخرى، مثل حرق الخشب أو الكتلة الحيوية، ومع ذلك، يجب أن يكون هناك جدول زمني لاستخدام هذه الأنواع من الوقود الانتقالي.

وعلى مدار الأيام المواضيعية لمؤتمر الأطراف «COP28»، احتل موضوع الهيدروجين الأخضر صدارة المناقشات في كثير من الجلسات، وتعهدت القطاعات الصناعية بزيادة الوقود عديم الانبعاثات المشتق، من الهيدروجين المعتمد على مصادر الطاقة المتجددة، إلى 11 مليون طن، بحلول عام 2030.

ميثاق إزالة الكربون من النفط والغاز

وكذلك، وقعت أكثر من 50 شركة نفط وطنية ودولية، تمثل حوالي 40% من الإنتاج العالمي، على ميثاق إزالة الكربون، تحدد المبادرة ثلاثة أهداف رئيسية، تشمل تحقيق صافي انبعاثات صفرية في العمليات المباشرة لكل شركة بحلول عام 2050، وتحقيق تسرب قريب من الصفر لغاز الميثان من إنتاج النفط والغاز، بحلول عام 2030، وتحقيق مستوى الصفر من الحرق الروتيني بحلول عام 2030.

يتمتع الهدفان الأخيران بأهمية خاصة، حيث أن غاز الميثان هو غاز دفيئة قوي للغاية، ولكنه قصير العمر، ويأتي ربع إجمالي انبعاثات غاز الميثان، التي يتسبب فيها الإنسان، من النفط والغاز، لذا فإن تقليل هذه الانبعاثات يعد مكسباً سريعاً، ولكن مرة أخرى، فإن 60% من إنتاج النفط والغاز العالمي لا يغطيه هذا الميثاق، وستستمر هذه الشركات في توفير المال عن طريق تنفيس غاز الميثان وإشعال الغاز الطبيعي.

التقييم العالمي: 1.5 درجة مئوية معرضة للخطر

جاء إعلان «الحصيلة العالمية» لأول مرة في مؤتمر «COP28»، لتقييم كيفية قيام المجتمع الدولي بشكل جماعي بخفض انبعاثات غازات الدفيئة منذ اتفاق باريس في عام 2015، وأظهرت نتائج عملية التقييم ما كان العلماء يحذرون منه في السابق، وهو أن العالم قد تخلف كثيراً عن الركب، وأن حد الاحترار العالمي المتفق عليه في باريس، وهو 1.5 درجة مئوية، أصبح معرضاً للخطر.

وعلى الرغم من أن أهم ما يمكن تعلمه من «COP28» هو أن الدول قد توصلت إلى اتفاق يدعوها إلى التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري، والاعتراف بالحاجة إلى «تحول عميق وسريع» بشأن خفض الانبعاثات، فإن اللغة قد يراها البعض «ضعيفة»، وتتعارض تماماً مع التقييم العالمي الرسمي.