بينما اختتمت الدورة الـ29 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP 29»، التي عقدت أواخر العام الماضي في باكو، عاصمة أذربيجان، بإعلان اتفاق «مخيب للآمال» لا يلبي الطموحات العالمية لعكس مسار مؤشر الاحترار العالمي، سجل عام 2024 مستوى قياسياً في درجات الحرارة، ليصبح أول عام تتجاوز فيه الحرارة حاجز 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

وجاءت التقارير الصادرة عن المنظمات والوكالات الدولية المعنية، وفي مقدمتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، ووكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، لتؤكد ما أعلنه مرصد «كوبرنيكوس» لتغير المناخ، بأن العام الماضي كان الأكثر حرارة على الإطلاق، إذ تجاوزت درجات الحرارة العالمية عتبة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة، وهو الهدف الذي وضعه اتفاق باريس للحد من التداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية المتسارعة.

وأكد المرصد، التابع للاتحاد الأوروبي، أن مستويات الاحترار العالمي واصلت، خلال العام الماضي، الاتجاه التصاعدي الذي بدأ في عام 2023 السابق، وأشار إلى أن عام 2024 حطم الأرقام القياسية على عدة مستويات، تشمل الغازات الدفيئة، ودرجات حرارة الهواء، ودرجات حرارة سطح البحر، وهو ما أدى إلى حدوث ظواهر مناخية متطرفة، مثل الفيضانات والأعاصير، وموجات الحرارة الشديدة، وحرائق الغابات.

وبحسب التقرير، فقد بلغ متوسط درجة الحرارة العالمية، خلال العام الماضي، 15.10 درجة مئوية، وهو أعلى من الرقم القياسي السابق المسجل في عام 2023، بفارق 0.12 درجة، كما أظهر التقرير أن عام 2024 كان أكثر دفئاً بمقدار 0.72 درجة عن متوسط الفترة بين عامي 1991 و2020، وبمقدار 1.60 درجة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

وكشفت بيانات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن عام 2024 هو العام الأول الذي يسجل فيه 11 شهراً بدرجات حرارة تتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وأن يوم 22 يوليو 2024 سجل أعلى درجة حرارة يومية عالمية على الإطلاق، بمتوسط بلغ 17.16 درجة مئوية، فيما أظهرت بيانات العقد الأخير، أن 2024 كان العام الأكثر دفئاً على الإطلاق، منذ بدء تسجيل درجات الحرارة في عام 1850.

وبموجب «اتفاق باريس»، الذي تم إقراره في ختام مؤتمر الأطراف «COP 21» في عام 2015، يتعين على المجتمع الدولي العمل على إبقاء ارتفاع متوسط درجات الحرارة أقل من 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، مع السعي لتعزيز هذا الهدف بإبقاء متوسط درجة حرارة العالم أقل من 1.5 درجة مئوية، إلا أنه في ظل المعدلات الحالية للاحترار العالمي، التي تزيد على 0.2 درجة مئوية كل عقد، فإن احتمالات تجاوز هدف 1.5 درجة خلال ثلاثينيات القرن الحالي يبدو مرتفعة للغاية.

واعتبرت منظمة «غرينبيس» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن الكوارث المناخية، التي تزايدت وتيرتها خلال السنوات القليلة الماضية، ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل هي نتيجة مباشرة للانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، وحذرت المنظمة من أن هذه الأزمات تؤثر بشكل مباشر على ملايين الأشخاص في المنطقة، وأضافت أن هذه الأزمات تتفاقم كل عام بسبب التغيرات المناخية.

وقالت غوى النكت، المديرة التنفيذية للمنظمة، في بيان تلقت «جسور 2030» نسخة منه: «لقد انتهى زمن الإنكار المناخي»، وأضافت أن المعطيات العلمية والتقارير العالمية لا تترك مجالاً للشك، فقد كان عام 2024 مليئاً بالكوارث المناخية بشكل غير مسبوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مشيرةً إلى أنه طالما حذرت المنظمة من هذه الكوارث، والتي تتمثل في موجات حر قاسية، وجفاف مدمر، وفيضانات غير مسبوقة، وأزمات مياه شديدة، أجبرت الملايين من سكان دول المنطقة على مواجهة الإجهاد الحراري، وظروف حياتية بالغة الصعوبة.

وتابعت المسؤولة بمنظمة «غرينبيس» أنه «بينما تعاني المجتمعات الهشة، والتي تكابد أصلاً بسبب الأزمات السياسية والاجتماعية، نجد أن شركات النفط والغاز العالمية تواصل تحقيق أرباح ضخمة على حسابنا، وهي التي تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية في تفاقم أزمة المناخ وآثارها، ومن غير المقبول أن تستمر في تجنب دفع الثمن»، وشددت على أن العدالة المناخية تقتضي أن تتحمل هذه الشركات المسؤولية الكاملة عن تأثيراتها البيئية، بما في ذلك تعويض الأضرار التي لحقت بالمجتمعات المتضررة.

واختتمت «النكت» بيانها بقولها: «من الضروري التأكيد على أن تجاوز زيادة قدرها 1.5 درجة مئوية في سنة واحدة، لا يعني بالضرورة فشلنا في الالتزام بهدف الحد من الاحترار طويل الأمد، المنصوص عليه في اتفاق باريس عند 1.5 درجة مئوية، ومع ذلك، يشكل هذا التجاوز تحذيراً جاداً يدعونا إلى تكثيف الجهود، والعمل بشكل أكثر فاعلية».

واختتمت قمة باكو للمناخ أعمالها بالإعلان عن اتفاق تعهدت بموجبه الدول الغنية بتقديم استثمارات بقيمة 300 مليار دولار على الأقل سنوياً، لمكافحة تغير المناخ، بحلول عام 2035، وهو الاتفاق الذي وصفته الدول النامية، التي كانت تسعى للتوصل إلى اتفاق يتضمن تمويلاً بأكثر من تريليون دولار، بأنه «إهانة» لجهود العمل المناخي، كما اعتبرت أنه «فشل جديد» في توفير الدعم الضروري لمحاربة أزمة المناخ.