تحت شعار «إعادة الأمل وإعلاء الطموح»، اجتمع قادة وصانعو قرار من مختلف أنحاء المنطقة العربية في مقر الأمم المتحدة بالعاصمة اللبنانية بيروت، لافتتاح المنتدى العربي للتنمية المستدامة لعام 2025، برعاية رئيس الجمهورية اللبنانية، جوزاف عون، وبتنظيم من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا «الإسكوا»، بالتعاون مع جامعة الدول العربية وهيئات الأمم المتحدة العاملة في المنطقة.

ويجمع المنتدى، الذي يستمر على مدى ثلاثة أيام، ممثلين عن الحكومات العربية، والمجتمع المدني، والقطاع الأكاديمي، والقطاع الخاص، ويهدف إلى تقييم التقدم المحرز في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في المنطقة، واقتراح حلول لتسريع تطبيق هذه الأهداف.

استهلت الجلسة الافتتاحية بنشيد مؤلف من مقاطع مقتبسة من الأناشيد الوطنية للدول العربية، أدته مجموعة من طلّاب دار الأيتام الإسلامية في لبنان، ثم كانت كلمات لكلّ من وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، فادي مكّي، ممثلاً رئيس الجمهورية اللبنانية، والأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، ونائب رئيس الوزراء ووزير التخطيط العراقي ورئيس المنتدى لعام 2025، محمد علي تميم، والأمينة التنفيذية للإسكوا، رولا دشتي، ونائبة الأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، أمینة محمد، التي شاركت في الجلسة الافتتاحية عبر كلمة مسجلة.

أكد «مكي» على أهمية التنسيق المشترك بين الوزارات وكافة القطاعات، لتحقيق التقدم في مسار التنمية المستدامة، مشيراً إلى ضرورة ترسيخ شراكات فاعلة تعزز النمو الاقتصادي، وتدعم بناء اقتصادات شاملة ومرنة، وقال: «نجدد شكرنا لجهود الإسكوا ولكافة الشركاء في هذا المنتدى، ونؤكد أن استعادة الأمل ورفع الطموح لا يمكن أن يتحققا إلا عبر الشراكة والابتكار والتجديد، وذلك من خلال أدوات جديدة، تأتي العلوم السلوكية في مقدمتها، لبناء مجتمعات أكثر إنصافاً وكفاءة واستدامة».

بدوره، شدد «أبو الغيط» على أن «المنطقة تمتلئ ببؤر الصراع وانعدام الاستقرار، مما يؤثر على قدرة الحكومات على تحقيق التوازن المنشود بين النمو الاقتصادي والحفاظ على الموارد الطبيعية، وضمان العدالة الاجتماعية، لكننا رغم ذلك، نرى إرادة عربية صلبة لتحويل التحديات إلى فرص، ولقد قطعنا أشواطاً مهمة في مسيرة التنمية المستدامة»، وأكد أن «التنمية المستدامة ليست خياراً، بل ضرورة وجودية لشعوبنا، وعلينا أن نعمل معاً بروح المسؤولية والتضامن، لنجعل من خطة 2030 واقعاً يعزز كرامة الإنسان العربي، ويحفظ حقوق الأجيال القادمة».

في سياق متصل، أشار «تميم»، رئيس الدورة الحالية للمنتدى، إلى أنه «رغم الجهود المبذولة من البلدان العربية لتحقيق أجندة 2030، إلا أن تلك الجهود لا زالت خجولة، والمؤشرات ما برحت متراجعة، ما يستدعي تعزيز الشراكات وتفعيل الآليات الوطنية لجهود التنمية المستدامة، وردم فجوة البيانات، ورسم السياسات المتسقة والشاملة والموجهة بالعلوم والبحوث»، وأضاف قائلاً: «نثمّن ثقة المنتدى بمنح العراق رئاسة هذه الدورة، آملين ان نكون أهلاً لهذه الثقة، وأن نخرج بتوصيات ورسائل للعالم أجمع عن جهودنا التنموية، وتطلعاتنا لتحقيق الرفاه والعيش الكريم لسكان المنطقة».

ومن جانبها، أكّدت «دشتي» أنّه «رغم التهديدات المحدقة بالتعاون الدولي، ورغم التحولات المفاجئة التي تكتسح عالمنا، يبقى الأمل موجوداً»، وقالت: «إلا أن الأمل لا يُستعاد بالأقوال والوعود، بل بالأفعال والمساءلة والعدالة، أما إعلاء الطموح، فيتطلب منا أن نغير طريقة تفكيرنا وعملنا الحكومي والمؤسسي»، وأضافت: «نحن في الإسكوا ندعم تعافي البلدان، وإقامة الحوارات الوطنية، وتحديث القطاعِ العام، وإعادة تصميم نُظم الحماية الاجتماعية، ونساعد الحكومات على تقييمِ الاتفاقيّات التجارية، ونعمل على تحويلِ الديون إلى استثمارات، من خلال مبادرة مقايضة الديون بالعمل المناخي».

وفي رسالة مسجلة، قالت أمينة محمد: «بحلول عام 2030، لن يتحقق من أهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية سوى ثمانية منها، إذا ما استمرّت على الوتيرة الحالية، إلّا أن الوقت ليس لليأس، بل للدفع بالعمل قدماً»، وحثت المشاركين على استخدام هذا المنتدى لتحديد احتياجات المنطقة وأولوياتها، وضمان أن تُترجم جهودهم وتُسهم في توجيه العمل العالمي في هذا السياق، خلال السنوات المقبلة.

يأتي المنتدى العربي للتنمية المستدامة لعام 2025 في توقيت حاسم، فمع اقتراب موعد تنفيذ خطة التنمية المستدامة بحلول عام 2030، تواجه المنطقة العربية تحديات متعدّدة تشمل النزاعات الممتدة، وتفاقم الفقر، وارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي، وضيق الحيّز المالي، والتداعيات المتسارعة لتغير المناخ، وعلى الرغم من هذه التحديات، ساد المنتدى مناخ من العزم والتفاؤل، مجسداً روح شعار هذا العام.

يتناول المنتدى التحديات الكبيرة في مجالات الشمول المالي وتمويل التنمية، كما يعمل على تقييم التقدم المحرز في المنطقة العربية في خمسة أهداف رئيسية من أهداف التنمية المستدامة، وهي الصحة الجيدة والرفاه، والمساواة بين الجنسين، والعمل اللائق والنمو الاقتصادي، والحياة تحت الماء، والشراكات من أجل الأهداف، كما يناقش المشاركون سبل العودة إلى مبدأ الشمول في التنمیة الاجتماعیة لمواجھة الأوجه الجدیدة لعدم المساواة والنزاعات وتقلص الحیز المالي.

يُعدّ هذا المنتدى السنوي الآلية الإقليمية الرئيسية لمتابعة خطة التنمية المستدامة لعام 2030 ومراجعتها، ما يُعزّز الحوار بين واضعي السياسات والخبراء وشركاء التنمية، على أن تُرفَع رسائله الرئيسية أمام المنتدى السياسي الرفيع المستوى في يوليو المقبل، مساهمةً من المنطقة العربية في تعزيز الجهود العالمية لتحقيق التنمية المستدامة.