لطالما كانت منطقة حوض البحر المتوسط مهدًا للثراء الثقافي والترابط، وبوصفها نقطة التقاء للحضارات، فإنها تجسد تراثاً مشتركاً، ازدهرت فيه الثقافات المتنوعة، والعلاقات والتبادلات الثقافية والاقتصادية والعلمية، وقد أسهمت هذه الهوية الفريدة في تشكيل شبكات قوية، وفي تعميق الشعور بالوحدة الإقليمية، ويصادف شهر نوفمبر 2025 الذكرى السنوية الـ30 لـ«عملية برشلونة»، وهي مبادرة تاريخية للتعاون الأورومتوسطي.
انطلقت «عملية برشلونة» في عام 1995، كمبادرة مستوحاة من أمل السلام المشترك في الشرق الأوسط، وقد عملت هذه المبادرة على توحيد البلدان من ضفتي المتوسط، لترسيخ الروابط، ومواجهة التحديات المشتركة، عبر المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية والبيئية، كما مهدت الطريق لإنشاء «الاتحاد من أجل المتوسط – UfM» في عام 2008، بهدف تعزيز روح التعاون الإقليمي بين دول المتوسط.
وضعت «عملية برشلونة» الأسس لشراكة إقليمية جديدة في التعاون الأورومتوسطي، حيث وقع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى 12 دولة في جنوب وشرق المتوسط، على اتفاقية إطلاق الشراكة الأورومتوسطية، بهدف تحويل منطقة المتوسط إلى فضاء مشترك للسلام والاستقرار، وتعزيز الحوار بين الشعوب.
وتأتي الذكرى الـ30 لإطلاق «عملية برشلونة» هذا العام، في وقت يشهد اضطرابات عميقة، حيث أثبت الصراع في الشرق الأوسط أن استقرار المنطقة أمر بالغ الأهمية للأمن العالمي، وأن أي أزمة داخلها أو حولها، يتردد صداها حتماً في جميع أنحاء العالم، كما تواجه دول المنطقة تفاوتات اقتصادية متزايدة، وتصاعد لحالة الطوارئ المناخية، إضافة إلى تحديات الهشاشة الاجتماعية.
وبهذه المناسبة، أطلق «الاتحاد من أجل المتوسط» دعوة لتجديد التعاون متعدد الأطراف، واعتبر أنه من المهم، في مثل هذا «السياق الحرج»، التفكير فيما إذا كان قد تم بذل الجهد الكافي على مدى السنوات الـ30 الماضية، لتمكين أطر التعاون الإقليمية والمتعددة الأطراف، من مواجهة التحديات المشتركة.
وجاء في بيان لـ«الاتحاد من أجل المتوسط»: «بينما نتطلع إلى المستقبل، يجب أن يكون عام 2025 عاماً للحوار والتعاون المتجددين، لقد حان الوقت للالتقاء ورسم مسار جديد، يسترشد بمبادئ أهداف التنمية المستدامة لعام 2030»، وأضاف أن العقد المقبل يمثل فرصة محورية للمنطقة الأورومتوسطية، لمعالجة المخاطر المعقدة، ووقف الانجراف نحو المزيد من عدم الاستقرار.
وأضاف البيان أن التحديات الأكثر إلحاحاً، التي تواجهها المنطقة، تتمثل في «الأمن، والاستقرارالاقتصادي، والهجرة، وتغير المناخ، وتوفير فرص العمل، والنقل، والطاقة»، لا يمكن معالجتها بمعزل عن بعضها البعض، إذ يعزز تنشيط التعاون الإقليمي متعدد الأطراف منطقة المتوسط، ويلعب دوراً حاسماً في استعادة الاستقرار والنظام العالميين، وبهذه الروح، يوفر ميثاق الاتحاد الأوروبي الجديد لمنطقة المتوسط، فرصة لتنشيط التعاون الإقليمي متعدد الأطراف».