لم تعد المخاطر الناجمة عن التصحر والجفاف وتدهور الأراضي حكراً على الدول النامية والفقيرة، بل صار شبحه يهدد الجميع دون استثناء، فالغذاء الذي يملأ موائد الأغنياء في الشمال، يعتمد في جزء كبير منه على الأراضي والموارد الطبيعية في الجنوب، وحين تنهار هذه النظم البيئية، لا يتوقف الأثر عند حدود الفقر وعدم المساواة في القارة الأفريقية أو آسيا، بل يمتد ليضرب سلاسل الإمداد العالمية، ويرفع أسعار الغذاء، ويهدد استقرار الاقتصادات الكبرى.
في أول حوار لها منذ توليها منصبها كأمين تنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وجهت الدكتورة ياسمين فؤاد، رسالة واضحة بأن التصحر ليس أزمة محلية أو إقليمية، بل قضية وجودية عابرة للحدود، تمس حياة كل إنسان على هذا الكوكب، وأكدت وزيرة البيئة المصرية السابقة أن مخاطر التصحر والجفاف وتدهور الأراضي تؤدي إلى تضاعف معاناة الفقراء في الدول النامية، حيث يعتمد ملايين البشر بشكل مباشر على الأرض والزراعة والموارد الطبيعية في حياتهم اليومية.
وقالت الأمين التنفيذي لاتفاقية مكافحة التصحر، في مقابلة أذاعتها الأمم المتحدة: «حين تضرب موجة جفاف، أو تتسع رقعة التصحر، يتأثر دخل تلك المجتمعات بصورة مباشرة، وتتصاعد معدلات الفقر وعدم المساواة»، لكن التحذير الأبرز الذي أطلقته «فؤاد» هو أن الدول المتقدمة ليست في مأمن من هذه الظاهرة، لأن غذاء العالم يرتكز على نظم بيئية وزراعية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأرض، ومع تراجع خصوبة التربة أو ندرة المياه، فإن الأمن الغذائي العالمي بأسره يصبح على المحك.
كما شددت المسؤولة الأممية على أن أهمية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر لا تقتصر على الجوانب التقنية والعلمية، بل تمتد لتشمل الربط بين التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، وبين أزمات كبرى، مثل سلاسل الإمداد العالمية، والأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والنزاعات، وأوضحت أن رؤيتها للمرحلة الجديدة من عمل الاتفاقية، تقوم على محورين أساسيين، أولهما إبراز الصلة بين التصحر والأزمات العالمية، بما فيها التغير المناخي، وعدم الاستقرار في المجتمعات المحلية، بينما يرتكز المحور الثاني على تعزيز التكامل بين اتفاقية مكافحة التصحر واتفاقيتي تغير المناخ والتنوع البيولوجي، إذ أن الأرض والمناخ والأنواع الحية كلها حلقات في سلسلة واحدة لا يمكن فصلها.
وأشارت «فؤاد» إلى أن المرحلة المقبلة ستعطي أولوية لبناء الصمود أمام موجات الجفاف الحادة والمتسارعة، وبناء نظم غذائية مستدامة، وتحقيق المساواة بين الجنسين، كما لفتت إلى الدور الحاسم لـ«الآلية التمويلية العالمية»، التي توفرها الاتفاقية لدعم الدول النامية، عبر مشروعات عملية على الأرض، تمثل حلقة وصل بين التوافقات السياسية والتنفيذ الفعلي، بمشاركة المجتمعات المحلية، خاصةً النساء والشباب.
كما تطرقت الأمين التنفيذي لاتفاقية مكافحة التصحر إلى التحديات المتزايدة في المنطقة العربية، حيث شح المياه هو التحدي الأكبر، وأوضحت أن الاتفاقية تدعم حلولاً مبتكرة، مثل الري بالتنقيط، وتحلية مياه البحر، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إضافة إلى مشروعات قائمة على الطبيعة، مثل زراعة محاصيل مقاومة للجفاف، وتثبيت الكثبان الرملية، وأكدت أن هذه التدخلات تمثل صمام أمان للأمن الغذائي في الدول العربية، كما شددت، في هذا الصدد، على أهمية التعاون الإقليمي في مجالات مثل الإنذار المبكر للجفاف، والالتزام السياسي رفيع المستوى بالاتفاقيات البيئية الثلاث.
ومع اقتراب انعقاد مؤتمر الأطراف الـ17 لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP-17)، المقرر انعقاده في «أولان باتور» عاصمة دولة منغوليا، في أغسطس 2026، كشفت «فؤاد» أن المؤتمر سيركز على تنفيذ التعهد باستعادة مليار هكتار من الأراضي المتدهورة بحلول عام 2030، وعلى تعزيز الشراكة العالمية لمواجهة الجفاف، وتوفير التمويل للدول النامية، إلى جانب دور القطاع الخاص في دعم هذه الجهود.
وفي الوقت الذي توجهت فيه الأنظار، خلال الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى قمة المناخ (COP-30)، في مدينة «بيليم» البرازيلية، في نوفمبر 2025، فقد وجهت الأمين التنفيذي لاتفاقية مكافحة التصحر رسالة واضحة مفادها أن «اتفاقية مكافحة التصحر تبدأ من الأرض، وكلنا شركاء في حمايتها، ومن هنا يمكن أن نستعيد الثقة بين الأطراف ومنظومة الأمم المتحدة»، لتعيد التأكيد على أن «معركة التصحر» ليست مجرد قضية بيئية على الهامش، بل معركة للبقاء، تستدعي تضامن الجميع، لأن الأرض التي يتهددها الجفاف والتدهور، هي ذاتها التي توفر الغذاء للبشرية.