في لحظة فارقة تعكس إدراكًا عالميًا متزايدًا لخطورة تدهور الأراضي على مستقبل الأمن الإنساني، أكدت الدكتورة ياسمين فؤاد، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)، أن مواجهة التصحر لم تعد خيارًا بيئيًا فحسب، بل ضرورة استراتيجية تمس صميم الأمن الغذائي والأمن القومي واستقرار الدول ومنع موجات الهجرة والنزوح الداخلي.
جاءت تصريحات أكبر مسؤول دولي عن ملفات مكافحة التصحر والحد من تدهور الأراضي والجفاف في العالم، خلال جلسة نقاشية عبر تقنية «زووم»، مع أعضاء جمعية كتاب البيئة والتنمية في مصر، بعد مرور مائة يوم على توليها المنصب الأممي الرفيع، في خطوة تعكس انفتاحها على الإعلام المتخصص، ورغبتها في تعزيز الشفافية حول أولويات المرحلة المقبلة.
وقالت «فؤاد» إن أزمة التصحر دخلت مرحلة عالمية حرجة، بعدما وصلت نسبة الأراضي المتدهورة إلى 40% من مساحة الكوكب، وهو ما يعني تراجع قدرة الدول على إنتاج الغذاء، وتزايد الأعباء الاقتصادية والاجتماعية، وارتفاع معدلات الفقر، وما يرتبط بذلك من مخاطر النزوح والصراعات على الموارد وتهديد استقرار الدول، وأضافت أن الاتفاقية تمتلك ميزة خاصة لا تتوافر في اتفاقيات المناخ أو التنوع البيولوجي، تتمثل في وجود آلية، تتولى تمويل وتنفيذ مشروعات مباشرة داخل الدول، وهو ما يمنحها قدرة حقيقية على إحداث تغيير ملموس على الأرض.
وخلال استعراض نتائج مؤتمر الأطراف (COP 16)، الذي عقد في العاصمة السعودية الرياض منتصف العام الجاري، وصفت «فؤاد» القرارات الصادرة عن المؤتمر بأنها «نقطة تحول تاريخية»، وعلى رأسها إطلاق صندوق عالمي لمكافحة الجفاف بقيمة أولية 2 مليار دولار، وإدماج القطاع الخاص لأول مرة في عمليات إعادة تأهيل الأراضي، وتطوير نظام عالمي للتنبؤ بحالة الأراضي خلال العشرين عامًا المقبلة. وأوضحت أن اختيار 70 دولة للاستفادة من صندوق الجفاف استند إلى معيارين أساسيين: كونها دولًا منخفضة أو متوسطة الدخل ومعرّضة بدرجة كبيرة للجفاف، وامتلاكها خططًا وطنية معتمدة لمواجهته، وهو ما ينطبق على مصر التي استكملت بالفعل خطتها الوطنية الشاملة للجفاف.
وفي ردها على سؤال لموقع «جسور 2030»، شددت الأمينة التنفيذية على أن التصحر قضية سياسية بقدر ما هي بيئية، وأن الصراعات الإقليمية الممتدة في الشرق الأوسط والساحل الإفريقي تؤدي إلى تفاقم تدهور الأراضي، وتزيد من مخاطر النزوح، وتُضعف قدرة المجتمعات على الصمود، وأكدت أن السكرتارية تعمل بالتعاون مع السعودية وألمانيا، على وضع ملف التصحر وتدهور الأراضي ضمن أجندة الأمن الدولي، بما في ذلك التحضير لطرحه في «مؤتمر ميونيخ للأمن»، في خطوة غير مسبوقة، تربط بين الأرض والجفاف والأمن القومي العالمي.
وأشارت «فؤاد» إلى أن مبادرة «السور الأخضر العظيم» في إفريقيا، التي تجاوز تمويلها 8 مليارات دولار، تمثل نموذجًا لدمج استعادة الأراضي المتدهورة، مع جهود خفض الصراعات وتحقيق الاستقرار الإقليمي، وكشفت أن الاتفاقية بصدد إعادة هيكلة منظومة التمويل بالكامل حتى مؤتمر الأطراف (COP 17) المقرر عقده في منغوليا، عبر جعل الاستثمار في الأرض أكثر جاذبية للقطاع الخاص، وتعزيز شراكات مالية مبتكرة، من بينها صندوق استثماري من لوكسمبورغ، بدأ بـ5 ملايين دولار، بهدف جذب ما بين 500 و600 مليون دولار، لتقليل مخاطر الاستثمار في استصلاح الأراضي.
وأعربت «فؤاد» عن توقعها أن يضع مؤتمر الأطراف (COP 17) الأمن الغذائي في صدارة الأجندة العالمية، باعتباره المسار الأكثر قدرة على توحيد المواقف الدولية، إذ يربط بين صحة التربة، وإدارة المياه، والإنتاج الزراعي، والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، مشيرةً إلى أن المؤتمر سيشهد إطلاق صندوق استثماري للمراعي، بالشراكة مع الصين ومنغوليا ودول آسيوية، لدعم النظم الرعوية، وتقليل الضغوط على المراعي، ووقف الرعي الجائر، مشيرةً إلى أن مصر تولي هذا الملف اهتمامًا خاصًا، نظرًا لخبراتها المتراكمة في مناطق مثل مطروح وسيوة.
وتطرقت الأمين التنفيذي لاتفاقية التصحر إلى التحديات المتصاعدة التي تواجه المنطقة العربية، محذّرة من أن العواصف الرملية والترابية باتت تمثل خطرًا بيئيًا واقتصاديًا كبيرا، قد يتسبب في خسائر تصل إلى 2% من الناتج المحلي لبعض الدول، وأضافت أن مواجهة هذه الظاهرة لن تكون ممكنة عبر حلول وطنية فقط، وإنما من خلال مشروعات إقليمية عابرة للحدود، تشمل دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
كما تحدثت «فؤاد» عن الدور الحيوي للمجتمع المدني، مشيرة إلى أن الاتفاقية تضم أكثر من 1500 منظمة، لكن المطلوب خلال المرحلة المقبلة هو العمل الميداني والتنفيذ المباشر، مستشهدة بدور برنامج المنح الصغيرة في تمويل المشروعات المجتمعية لمكافحة التصحر، وتعزيز صمود المجتمعات المحلية.
وفي ما يتعلق بدور مصر داخل الاتفاقية، أكدت وزيرة البيئة السابقة، أن مصر قدمت مجموعة واسعة من المشروعات الجاهزة للتمويل، تشمل استعادة الأراضي المتدهورة، والتوسع في الري الحديث، وتعزيز المراعي، ومنع الرعي الجائر، إضافة إلى خطة وطنية شاملة لمكافحة التصحر وخطة للجفاف، وشددت على أن دورها اليوم يتجاوز تمثيل مصر إلى خدمة 197 دولة، لكنها أوضحت أن نجاحها الدولي يظل جزءًا من قوة مصر الدبلوماسية في ملف البيئة والعمل المناخي.