رغم الأدلة القوية على أن النشاط البشري لعب دورا في الأحداث المناخية الكارثية، وظهور أزمة الوقود التي أشعلتها الحرب في أوكرانيا، استمرت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الارتفاع، ومع ذلك، أبقت الأمم المتحدة حالة الطوارئ المناخية على رأس جدول الأعمال الدولي، وتوصلت إلى اتفاقات رئيسية بشأن تمويل العمل المناخي والتنوع البيولوجي.
وفي الوقت نفسه، أشارت مجموعة من التقارير والدراسات الدولية إلى استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض، مما يعكس فشل البشر في خفض انبعاثات الكربون، والتعامل مع التهديد الوجودي لحالة الطوارئ المناخية، الأمر الذي يضع هدف اتفاق باريس لتجنب ارتفاع حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
ومع ذلك، واصلت الأمم المتحدة قيادة المهمة البطيئة والمضنية، ولكن الأساسية، المتمثلة في عقد اتفاقات دولية للعمل المناخي، مع الضغط المستمر على الاقتصادات الكبرى، لبذل جهود أكبر لخفض استخدام الوقود الأحفوري، ودعم البلدان النامية، التي يتحمل مواطنوها العبء الأكبر من الجفاف والفيضانات والطقس القاسي، الناتج عن التغيرات المناخية.
وبينما أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) سلسلة من التقارير، تضمنت تفاصيل تبدو قاتمة على مدار العام، خصلت دراسة إلى أن عام 2021 كان من بين أعلى 7 سنوات دفئاً على الإطلاق، حيث تم تسجيل موجات حر قياسية في العديد من البلدان الأوروبية، الأمر الذي دفع منظمة الأرصاد إلى التحذير من أنه ينبغي علينا التعود على المزيد من الحرارة في السنوات القليلة المقبلة.
كما توقعت تقارير عالمية أن تشهد القارة الأفريقية أزمة غذاء متفاقمة، خاصةً في منطقة القرن الأفريقي، مما دفع ملايين السكان إلى النزوح من أماكن معيشتهم إلى مناطق أكثر أماناً، ورجحت التقارير أن تضرب موجات متباينة من الجفاف 4 من بين كل 5 دول أفريقية، تعاني نقصاً في الموارد المائية المدارة على نحو مستدام، بحلول عام 2030.
وفي المقابل، تعرضت مناطق أخرى من العالم لفيضانات كارثية، دفعت باكستان إلى إعلان حالة الطوارئ الوطنية، في أعقاب الفيضانات والانهيارات الأرضية الناجمة عن الأمطار الموسمية الغزيرة، التي غمرت أكثر من ثلث مساحة البلاد، في أغسطس 2022، وتسببت في نزوح عشرات الملايين، كما شهدت تشاد موجة فيضانات غير مسبوقة، في نفس الشهر، طالت تأثيراتها أكثر من 340 ألف نسمة.
وفي نشرتها حول غازات الاحتباس الحراري، في أكتوبر الماضي، حددت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية مستويات قياسية للغازات الرئيسية الثلاثة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري (ثاني أكسيد الكربون، وأكسيد النيتروز، والميثان)، والتي شهدت أكبر قفزة سنوية في التركيزات منذ 40 عاماً، مما حدد النشاط البشري كعامل رئيسي في التغيرات المناخية.
وعلى الرغم من الأدلة التي تقدمها التقارير الدولية على الحاجة الماسة إلى التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون، استجابت بعض الاقتصادات الكبرى في العالم لأزمة الطاقة، التي نجمت عن الحرب في أوكرانيا، من خلال إعادة فتح محطات الطاقة القديمة، والتي تعمل بالفحم، والبحث عن موردين جدد للوقود الأحفوري، الذي يتمثل في النفط والغاز.
أثارت تلك الخطوة من جانب الدول الكبرى موجة استياء عالمية واسعة، عبر عنها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، بقوله إنه «لو استثمرت تلك الدول في الطاقة المتجددة في الماضي، لكان بإمكانها تجنب حالة عدم الاستقرار التي تعصف بأسواق الوقود الأحفوري»، ووصف توجهات تلك الدول بأنها تعكس حالة «إدمان وهمي» على الوقود الأحفوري.
وفي يوليو من العام الماضي، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يعتبر أن الوصول إلى بيئة نظيفة وصحية هو حق من حقوق الإنسان، وقد جاء هذا القرار بناءً على نص مماثل، اعتمده مجلس حقوق الإنسان في عام 2021، وقال «جوتيريش» إن هذا التطور التاريخي، سيساعد على «تقليل الظلم البيئي، وسد الفجوات في الحماية وتمكين الناس، لاسيما أولئك الذين هم في أوضاع هشة».
وشهد عام 2022 انعقاد 3 مؤتمرات دولية تتعلق بالمناخ، تتمثل في مؤتمر المحيط، في يونيو، ومؤتمر قمة المناخ (COP 27) في نوفمبر، ومؤتمر التنوع البيولوجي (COP 15) في ديسمبر، مما يؤكد حرص منظمة الأمم المتحدة، وشركائها من المنظمات الدولية، على أن تنجز أكثر بكثير من مجرد التصريح بالوضع المناخي الحرج، والدعوة إلى التغيير.
وبحسب الخبير البيئي الدكتور عماد الدين عدلي، رئيس مجلس أمناء المنتدى المصري للتنمية المستدامة، فقد أسفرت المؤتمرات الثلاثة عن إحراز بعض التقدم، وإن كان محدوداً، بشأن دفع الالتزامات الدولية لحماية البيئة، وتقليل الأضرار الناجمة عن الأنشطة البشرية، حيث شهد مؤتمر المحيط تجديد قادة العالم التزامهم باتخاذ إجراءات عاجلة بشأن تحقيق الأهداف بشكل كامل، وفي أقرب وقت ممكن.
كما انتهى مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP 27)، في شرم الشيخ، خلال شهر نوفمبر الماضي، إلى الاتفاق على إنشاء آلية تمويل لتعويض الدول الضعيفة عن الخسائر والأضرار التي تسببها الكوارث الناجمة عن التغيرات المناخية، وهو القرار الذي اعتبرته كثير من الدول انتصاراً كبيراً في صالح الدول الفقيرة.
وكذلك، اختتم مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي (COP 15)، الذي عُقد في مونتريال بكندا، خلال ديسمبر الماضي، باتفاق تاريخي لحماية 30% من أراضي الكوكب بنهاية العقد الحالي، تشمل مساحات شاسعة من المناطق الساحلية والمياه الداخلية، وهو الاتفاق الذي وصفته إنجر أندرسن، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بأنه «خطوة أولى باتجاه التصالح مع الطبيعة».