على الرغم من المخاطر التي لا يزال الاقتصاد العالمي يواجهها بعد مرور سنتين على تفشي جائحة كوفيد-19، تبدو الآفاق الاقتصادية للمنطقة العربية إيجابية، حيث من المتوقع أن يستمر الانتعاش الاقتصادي الذي بدأ في عام 2021 ليرتفع الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بنسبة 3.7% في عام 2022، و3.6% في عام 2023، ولكن وتيرة الانتعاش ستختلف بطبيعة الحال بين البلدان، بحسب سرعة حملات التلقيح، والعائدات من النفط والسياحة، وحجم التحويلات المالية، وتدفقات المساعدات الإنمائية.
هذا أبرز ما ورد في تقرير مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية 2020–2021، الذي أصدرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، مطلع هذا الأسبوع، ومع إطلاق هذا التقرير، تستهل الإسكوا العام بتقديم لمحة عن مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية، وتعرض كذلك لآفاق العامين القادمين.
وتعتمد توقعات اللجنة الأممية على سيناريوهين، يفترض أولهما، وهو سيناريو محافظ، بأن وتيرة التطعيم تستمر على بطئها، وأن بعض البلدان ستفرض عمليات إغلاق جزئية، لمنع تفشي المتحورات الجديدة، وفي هذا السيناريو، يبلغ متوسط سعر النفط 60 دولاراً للبرميل.
في حين يفترض السيناريو الثاني، وهو الأكثر تفاؤلاً، أن حملات التطعيم ستتقدم بثبات، وأن الطلب على النفط سيرتفع عالمياً، وأن متوسط سعر النفط سيكون 80 دولاراً للبرميل، وقد يصل إلى مستوى 100 دولار للبرميل، وفي حال نجاح التطعيم في احتواء فيروس كورونا، ستسلك الاقتصادات مسار التعافي من خلال زيادة الطلب على السلع، واستئناف الأنشطة السياحية.
في هذا السياق، قال أحمد مومي، المشرف على فريق إعداد التقرير، إن معدلات الفقر في المنطقة العربية ستنخفض من نسبة 27% من مجموع السكان في عام 2021، إلى نحو 26% في عام 2023، ولكن مع استمرار وجود تفاوت بين مجموعات البلدان، بينما في المقابل، ستظل معدلات البطالة في المنطقة من أعلى المعدلات في العالم، لاسيما بين النساء والشباب، رغم التوقع بانخفاضها لتصل نسبتها إلى 10.7% في عام 2023، بعد أن كانت 11.8% في عام 2021.
وحذر مومي من أنه على الرغم من التحسن الطفيف في تضييق الفجوة بين الجنسين في المنطقة، سيستغرق تحقيق التكافؤ بين الجنسين ما يقرب من 150 عاماً، في ظل أوجه القصور الحادة التي تشوب نظم الحماية الاجتماعية.
ويشير التقرير إلى أنه من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي في البلدان المتأثرة بالنزاعات بنسبة قد تصل إلى 4.5% في عام 2022، و6.9% في عام 2023، غير أن هذه التوقعات قد تتأثر بشدة من تداعيات متحور أوميكرون، في ضوء ضعف القدرة على التعامل مع الأزمات الصحية الطارئة، لتحقق معدلات نمو لا تزيد عن 2.8% في عام 2022، وذلك قبل أن تستعيد عافيتها مجدداً في عام 2023، لتصل معدلات النمو فيها إلى 6.4%.
وبصورة مماثلة، وبسبب التحديات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة، يتوقع التقرير أن ينمو الناتج في أقل البلدان العربية بنحو 2% في عام 2022، و2.6% في عام 2023، ولكن قد يؤدي تفشي متحوّر أوميكرون إلى إبطاء النمو، بحيث يرتفع بنسبة 1.7٪ فقط في عام 2022.
وأضاف مومي أن عائدات النفط والغاز لا تزال تشكل المصدر الرئيسي للإيرادات في بلدان مجلس التعاون الخليجي، في حين تعتمد البلدان المتوسطة الدخل على الضرائب كمصدر رئيسي للإيرادات العامة، بما في ذلك الضرائب التنازلية على السلع والخدمات، ما يزيد العبء على الفقراء والطبقة الوسطى.
ولَفت إلى أن حصة إجمالي الإيرادات الحكومية من الناتج المحلي الإجمالي قد انخفضت على مدى العقد ونصف العقد الماضيين، وقد تضررت بشكل متزايد بفعل جائحة كوفيد-19، لافتاً إلى أن الضريبة على الثروة تشكل نسبة ضئيلة من مجموع الإيرادات الضريبية، رغم أن هناك إمكانات كبيرة للاستفادة من هذه الضريبة، في ضوء تركز الثروة في يد أغنى 1% من السكان فقط.
ويقدم مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية، الذي تصدره الإسكوا سنوياً، تحليلاً لآخر التطورات الاجتماعية والاقتصادية، ويهدف إلى دعم جهود الدول الأعضاء في إصلاح المؤسسات الاقتصادية، ووضع سياسات قائمة على الأدلة وتنفيذها، وتحسين عملية التخطيط الاقتصادي، دعماً لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة للجميع.